وقوله تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ}: ختم السورة بذكر صفات الرسول الذي أنزل عليه القرآن، ومنه كان لهم البيان؛ كما في هذه السورة وسائر الفرقان.
وقوله تعالى: {مِنْ أَنْفُسِكُمْ}: أي: آدميٍّ مثلِكم.
وقيل: هو خطاب للعرب؛ أي: من نسبكم عربيٌّ مثلُكم، وذاك أقرب إلى الألفة، وأبعدُ من اللَّجاجة، وأسرع إلى فهم الحُجة.
وقيل: لمَّا كان منكم وقد عرفتُم صدقَه وأمانته لم يقع في قلوبكم كذبُه ولا خيانتُه (١).
وقرأ ابن عباس وفاطمة بنت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ورضي عنها: (مِن أَنْفَسِكم) بفتح الفاء (٢)؛ أي: من أشرَفكم وأفضلِكم، من قولهم: شيءٌ نفيسٌ؛ أي: خطير.
وقوله تعالى: {عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ}: أي: شديدٌ عليه عنَتُكم؛ أي: هلاكُكم، و قيل: مشقَّتُكم، وقيل: إثمكم.
وقيل: العنتُ: الأذى الذي يَضيقُ به الصدر، ولا يهتدي للمخرج منه؛ أي: لشفقته عليكم يَشُقُّ عليه ما يسوءكم.
وقيل: أي: لا يدعوكم إلى شيء فيه ذلك، بل إلى كلِّ يُسرٍ وخفَّه (٣).
وقال عبد العزيز بن يحيى الكِنَانيُّ: {عَزِيزٌ} نَعَتَه بالعزَّة على ربِّه ثم قال: {عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ}؛ أي: عليه الشفاعةُ فيما أثمتُم كالدِّية على العاقلة (٤).
(١) في (أ): "وهم كذب وخيانة" وفي (ف): "كذب ولا خيانة" بدل: "كذبه ولا خيانته".
(٢) انظر: "المختصر في شواذ القراءات" (ص: ٦٠).
(٣) في (ف): "كل سر وخفية".
(٤) ذكره الثعلبي في "تفسيره" (١٤/ ١٤٧) لكن باختلاف عما هنا، ولفظه: قال عبد العزيز بن يحيى: نظم الآية: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} {حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ =