كانت هذه حالتي وجئتكم به مِن غير تعلُّم فاعلموا واعقلوا أنَّه مِن عند اللَّه تعالى.
وقال الإمام أبو منصور رحمه اللَّه: ويحتمل: لبثْتُ فيكم سِنينَ ولم تعرفوني كذبْتُ قطُّ، فكيفَ أفتري على اللَّهِ، وأخترعُ القرآنَ مِن عندِ نفسي (١)؟!
* * *
(١٧) - {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ}.
وقوله تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ} قال ابنُ عبَّاس رضي اللَّه عنهما: فمَنْ أظلَمُ ممَّنْ اختلقَ على اللَّهِ كَذِبًا أنَّ معَه شريكًا وصاحبةً وولدًا، أو عبدَ الأوثانَ، أو كذَّبَ بمحمَّدٍ والقرآن، إنَّه لا يأمَنُ المشركون (٢).
ويحتمل هذا ثلاثةَ أوجهٍ:
أحدُها: أنَّه إخبارٌ مِن اللَّهِ جلَّ جلالُه، والصِّفةُ المذكورة في الآية مِن المشركين الكذبُ والتَّكذيب جميعًا.
والثَّاني: أنَّه متَّصل بقول النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- الذي أمرَه اللَّهُ تعالى به في الآية الأولى أنْ يقول، ومعناه أنَّه قال: لا أحدَ أظلمُ ممَّن افترى على اللَّه كذبًا؛ أضافَ إليه ما لم ينزلْهُ، أو بدَّل ما أنزلَه، وممَّن نفى ما أنزلَه عنه فكذَّبه فيه؛ أي: لا أظلمَ مِن هذين: أحدهما ما ينفيه عن نفسه، والآخر ما يثبتُه للمشركين.
والثالثُ: أنَّه نفى الأمرَيْن عن نفسِه؛ أي: إذا أتيْتُ بغيرِ هذا القرآن، أو بدَّلْتُ هذا القرآنَ، كنْتُ قد افتريْتُ على اللَّه الكذبَ وكذَّبْتُه فيما أنزلَه عليَّ.
(١) انظر: "تأويلات أهل السنة" للماتريدي (٦/ ٢١).
(٢) نحوه عن ابن عباس في "البسيط" (١١/ ١٤٨)، ودون نسبة في "تفسير الثعلبي" (٥/ ١٢٤).