وقوله تعالى: {إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (٣٧) وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي}: يدلُّ على بطلانِ قول المعتزلة في أنَّ الفاسقَ يخرجُ من ملَّة الإسلام، ولا يدخل في ملَّة الكفر، فإنَّه ليس بينَ الملَّتَيْنِ ملَّةٌ أخرى.
ودلَّتِ الآية أيضًا أنَّ الكفرَ كلَّه ملَّةٌ واحدةٌ.
ثمَّ إنَّما ذكرَ يوسفُ آباءه في هذه الآية؛ لأنَّ النَّاس كانوا عرفوهم واعتقدوا تعظيمَهم، وكانوا لا يعرفون يوسفَ، فبيَّن أنَّه مِن صلبِهم؛ ليعتقدوا كلامَه (١) ويقبلوا دعوتَه إلى الدِّين الحقِّ.
* * *
(٣٩) - {يَاصَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ}.
وقوله تعالى: {يَاصَاحِبَيِ السِّجْنِ}: أي: يا ساكنَيه وملازمَيه، وهو كقوله: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ} و {أَصْحَابَ النَّارِ}.
{أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ}: استفهامٌ بمعنى النَّفي.
ثمَّ لا خيريَّة في الأرباب المتفرِّقين، لكن قالَه بناءً على زعم الكفرة؛ أي: أنتم تعتقدونه خيرًا، ثمَّ ألزمهم على هذا الوجه: أهذا خيرٌ أم التَّوحيد، على وجهٍ ظهرَ بطلان ما يعتقدون، وهو كقوله تعالى: {آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ} النمل: ٥٩ ونحوِ ذلك، وقد كشفناه عند قوله تعالى: {قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ} الآية المائدة: ٦٠.
ثمَّ إنَّه دلَّهم بهذا على أنَّ الخالق واحدٌ، وأنَّ الإلهَ (٢) واحدٌ، وأنَّ الآلهة لا بدَّ أن
(١) في (ف): "ليعتقدوه" بدل من "ليعتقدوا كلامه".
(٢) في (أ): "المعبود".