وحلمًا وحكمًا، وقد كنْتُ أنا وصاحبي الَّذي قتلتَه يومَ غضبْتَ علينا وسجنْتَنا حَلمْنا في السِّجنِ حُلْمًا، فعبَّره لنا، فكانَ كما قالَ، أمَّا أنا فنجوْتُ، وأمَّا صاحبي فقُتِلَ، وكذلك أخبرَنا، فأرسلْني إليه آتِكَ بتأويل رؤياكَ، فأفرِّجَ عنك هذا الغَمَّ.
فقال الملك: لئِنْ فعلْتَ ما تقولى لأكرمنَّكَ ولأعظمَنَّ حالَك وشرفَك (١)، فانطلِقْ فقدْ أذنْتُ لك.
فانطلقَ العبدُ حتَّى دخلَ على يوسفَ في السِّجن، فأخبرَهُ خبرَ الملك، وقصَّ عليه رؤياه، فَعَبَرَها له يوسفُ عليه السلام.
وقال الإمامُ القشيريُّ رحمه اللَّه: إنَّ اللَّه تعالى أفردَ يوسفَ عليه السلام مِن بينِ أشكالِه بشيئَيْنِ: بحُسْنِ الخَلْقِ وبزيادةِ العلْمِ، فصارَ جمالُه سببَ بلائِهِ، وصارَ علمُه سببَ نجاتِه؛ لتُعلَمَ مزيَّةُ العلمِ على غيرِه، ولهذا قيل: العلمُ يُعطي وإن كان يُبطي (٢).
وقال الإمامُ أبو منصورٍ رحمه اللَّه في قوله: {أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ}: يحتمل وجوهًا:
- يعلمونَ أنَّ هذه الرُّؤيا حقٌّ، وأنَّ لها حقيقةً، وليسَتْ كما قالوا: إنَّها أضغاث أحلام.
- ويحتمل: يعلمون فضلَكَ على غيرِك مِن النَّاس.
- ويحتمل: يعلمون أنَّك تصلُحُ لحاجاتهم فيرفعونها إليك، كما صلحْتَ لتعبير رؤياهم (٣).
(١) في (ف): "وأشرفك".
(٢) انظر: "لطائف الإشارات" للقشيري (٢/ ١٨٧).
(٣) انظر: "تأويلات أهل السنة" للماتريدي (٦/ ٢٤٩).