وقوله تعالى: {جَعَلَ السِّقَايَةَ} يحتمِل أنَّ يوسف وضعَها بنفسِه وأخفاها عن الكلِّ، فلمَّا افتَقدوا طَلبوا، وبما ظَنُّوا اتَّهموا، ويحتمِل أنَّه أمرَ بعضَ خواصِّه بذلك.
وقوله تعالى: {ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ}: أي: نادى منادٍ مُعلِمًا مُسمِعًا: {أَيَّتُهَا الْعِيرُ} قال الفرَّاء: هم ركابُ الإبل (١).
{إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ}: أي: فيكم سارقٌ، أو جماعةٌ اشتركوا في السَّرقة.
وقال الإمام القشيريُّ رحمَه اللَّه: هانَ على بنيامين ما قيل فيه من السَّرقة بعدما بقي مع يوسف.
وقيل: لَئِنْ نسبَ يوسفُ أخاه إلى السَّرقة جهرًا فقد تعرَّف إليه بقوله: {إِنِّي أَنَا أَخُوكَ} سرًّا، فكان متحمِّلًا لأعباء الملامَةِ ظاهرًا، محمولًا بوجدان الكرامة باطنًا، وأنشد:
أجدُ الملامَةَ في هواكَ لذيذةً... حبًّا لذِكرِكَ فلْيَلُمْنِي اللُّوَّمُ (٢)
قال وهبٌ: وأمرَ يوسفُ بالصُّواع فدُسَّ في رحلِ بنيامين، وكان إناءَه الَّذي يشربُ فيه، وكان من نحاسٍ، فلمَّا فصَلَتِ العير وأمعنوا أرسل الطَّلبَ في أثرهم، فلم يشعروا حتَّى أُخِذَ (٣) بخُطُمِ رواحلهم، فقالوا: ما خطبُكم؟ فأذَّن مؤذِّن الملكِ: {أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ}.
* * *
(١) انظر: "تفسير الثعلبي" (٥/ ٢٣٩)، و"زاد المسير" (٤/ ٢٥٧).
(٢) انظر: "لطائف الإشارات" للقشيري (٢/ ١٩٥). والبيت لأبي شيص محمد بن عبد اللَّه بن رزين. كما في "الشعر والشعراء" لابن قتيبة (٢/ ٨٣٢)، و"العقد" لابن عبد ربه (٦/ ٢٢٠).
(٣) في (ف): "أخذوا".