فقال: {سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ} فليسَ قولٌ عندَه أخفى مِن قولٍ، وليسَ سمعُه كسمع المخلوق الَّذي يَخفى عليه ما بَعُدَ مِن سمعِه، ويَفهمُ ما قَرُبَ منه، وسواءٌ عندَه في الرُّؤية مَن هو مستَخْفٍ باللَّيل ومَن هو ظاهرٌ بالنَّهار.
وقيل: تقديرُه: ومَن هو مستخفٍ باللَّيل ومَن هو ساربٌ بالنَّهار، فترك (مَن) في (١) الثَّاني اختصارًا (٢) لدلالة الماضي عليه.
وقيل: بل معناه -أي: الاستخفاء والسُّروب- صفةُ الواحد لا الاثنين (٣)، والمرادُ به أَنَّه (٤) تستوي حالتا هذا الرَّجل في علم اللَّه، بخلافِ قوله: {سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ}؛ لأنَّهما صفتا رجلَيْن.
وقال القشيريُّ: سِيَّان منكم مَن خاطَبَنا بلسانِه بوصف الدُّعاء جهرًا، ومَن خاطبَنا بقلبِهِ ببيانِ النَّجوى سِرًّا، لكلِّ واحدٍ منهما إجابةٌ منَّا إذا ساعدَتْهُ المشيئةُ ووافقتْهُ القضيَّة.
وقيل: سواءٌ في علمِ اللَّه ورؤيتِهِ وسمعِهِ المُسِرُّ والذي يجهرُ، والذي يَكمن (٥) والذي يَظْهَر، فالبصرُ متناولٌ للكلِّ، والعلمُ شاملٌ للجميع، والحكمُ جارٍ على الكافَّة.
وقيل: نزولها في عمير بن وهب (٦) الجُمحيِّ، كان جُرِحَ يومَ بدرٍ وهو مع الكفَّار جرحًا مخوفًا، وعالج وبرأ، وقال يومًا وهو مع صفوان بن أميَّة وهو في حِجْر
(١) في (ف): "فترك ما في".
(٢) في (أ): "اقتصارا".
(٣) في (أ): "صفة للواحد لا للاثنين".
(٤) في (ف): "أنه لا"، وهو خطأ.
(٥) في (ر) و (ف): "يكتم".
(٦) في جميع النسخ: "وهب بن عمرو بن وهب"، والمثبت الموافق لمصادر التخريج.