وقد لَقِحَتِ النَّاقة: إذا حملَتْ، مِن حدِّ (علم)، وهو قولُ عبدِ اللَّهِ بنِ مسعودِ (١).
فالرِّياحُ حواملُ بالماءِ وبما يكون فيها مِن خيرٍ، وضِدُّ هذه الرِّيحُ العقيم، وهي الَّتي لا تحملُ الماءَ، وبالنَّظرِ إلى هذه الضِّد عُلِمَ أنَّه يُمْكِنُ إجراؤها على ظاهرها أنَّها لواقِحُ بأنفسِها لا مُلْقِحاتٌ غيرَها، وكذا قولُه: {حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا} -أي: حملتْها- دليلٌ (٢) على أنَّ صفَتها أنَّها حواملُ مستقيمة.
وقال قتادةُ وإبراهيمُ والضَّحَّاكُ: هي بمعنى ملاقِح، جمعُ مُلْقِحَة، وهي مُلْقِحةٌ للشَّجر أو للسَّحاب (٣)، بجعلِها الماءَ فيها، كالفحلِ يكون مُلْقِحًا للنَّاقةِ بجعلهِ ماءَه فيها.
ثمَّ جَعْلُ اللَّاقِح بمعنى المُلْقِحِ بطريقَيْن:
أحدهما: أنَّ المنشعبَ يُرَدُّ إلى الثُّلاثيِّ؛ لأنَّه هو الأصل.
والثَّاني: أنَّ اللَّاقحةَ بمعنى: ذات اللِّقاح.
وبهذَيْنِ الطَّريقَيْن كان النَّاصبُ بمعنى المُنْصِب في بيتِ النَّابغةِ:
كِلِيْنِي لِهَمٍّ يا أُمَيْمَةُ نَاصِبِ... وليلٍ أُقَاسِيْهِ بَطِيءِ الكَواكِبِ (٤)
أنَّه بمعنى: ذي نَصَبٍ، أو ردَّ أَنْصَب إلى نصَبَ، ومُنْصِبًا إلى ناصبِ.
(١) رواه الطبري في "تفسيره" (١٤/ ٤٣).
(٢) في (ر): "دال".
(٣) رواه عنهم الطبري في "تفسيره" (١٤/ ٤٤ - ٤٦).
(٤) انظر: "ديوان النابغة الذبياني" (ص: ٤٥)، و"تفسير الطبري" (١٤/ ٤٤)، و"تفسير الثعلبي" (٥/ ٣٣٧).