ثم إنما قال: {بَنِي آدَمَ}، ولم يقل: المؤمنين، ولا: العابدين، ولا: المجتهدين، تقديسًا للتكريم من أن يكون مقابَلًا بفعلٍ، أو معلَّلًا بوفاق، أو مسبَّبًا باستحقاق.
وذلك التكريم: أنهم متى شاؤوا وقفوا على بساط المناجاة.
ومن التكريم: أنك على أيِّ وصفٍ كنتَ من الطهارة وغيرها إذا أردتَ أن تخاطبه خاطَبْتَه، وإذا أردتَ أن تسأله سألتَه.
ومنه: أن العبد إذا تاب ثم نَقَض توبته ثم تاب قُبلت توبتُه، ولو تكرَّر منه جُرمه ثم توبته يضاعف له قبول التوبة وعفوه.
ومنه: إذا عثَر أخذ بيده، وإذا قال: لا أعود، قَبِله بقوله (١) وإنْ عَلِم أنه سيعود.
ومنه: أنه زيَّن ظاهرهم بالمجاهَدة، وحسَّن باطنهم بالمشاهدة.
ومنه: أنه أعطاهم قبلَ سؤالهم، وغفر لهم قبل استغفارهم، كذلك ورد في الخبر (٢): "أعطيتكم قبل أن تسألونى، وغفرتُ لكم قبل أن تستغفروني" (٣).
ومنه: أنه قال لهم: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} البقرة: ١٥٢، ولم يقل ذلك للملائكة ولا للجن.
وكذا قال: {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} المائدة: ٥٤، وقال: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} المائدة: ١١٩.
(١) في "لطائف الإشارات": "يقبل قوله".
(٢) في (ر): "ورد الخبر".
(٣) رواه ابن مردويه، وأبو نعيم في "الدلائل"، وأبو نصر السجزي في "الإبانة"، والديلمي من حديث عمرو بن عبسة رضي اللَّه عنه مرفوعًا، كما في "الدر المنثور" (٦/ ٤١٨)، وهو في "الفردوس" (٧٢٠٦). ورواه النسائي في "الكبرى" (١١٣١٨) من حديث أبي هريرة رضي اللَّه عنه موقوفًا بلفظ: "أعطيْتكم قَبْل أنْ تسألوني، وأجبْتُكم قَبْل أنْ تَدْعونِي".