وقيل: معناه: إنَّ التوحيد الخالص هو الذي يُتَقَرَّبُ به إلى اللَّه تعالى، دون غيره مِن الأديان التي يشوبُها الشرك.
وقال الإمام القُشيري في قوله: {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ}: العبادة مُعانقة الأمر على غاية الخشوع (١)، ويكون بالنفس والقلب والروح، فالتي بالنفس الإخلاصُ فيها بالتباعد عن الانتقاص، والتي بالقلب الإخلاصُ فيها بالعَمى عن رؤية الأشخاص، والتي بالروح الإخلاصُ فيها بالتَّنَقِّي عن طلب الاختصاص (٢).
وقولُه تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ}: أي: والمشركون الذين اتَّخذوا مِن دون اللَّه أصنامًا يتوَلَّوْنهم ويجعلونهم يلُونهم بالحفظ والإحاطة (٣) والحيَاطة من المكاره.
وقولُه تعالى: {مَا نَعْبُدُهُمْ}: أي: يقولون: ما نعبد هؤلاء الأصنام {إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}: بالشفاعة لنا إليه.
وقولُه: {إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ} يوم القيامة (٤) {فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ}: أي: إنَّ اللَّه عالم بهذا القول منهم، وسيرجعون إليه فيحكم بينهم فيما هم فيه يختلفون، بأنْ يُمَيِّزَ بين المُحِقِّ منهم والمُبْطِل بالثواب والعقاب، ويكون على هذا قولُه: {بَيْنَهُمْ} كنايةً عن المشركين والموحِّدين جميعًا، وثبَتَ ذِكْر المشركين في الآية صريحًا، وذكرُ الموحِّدين دلالة قوله: {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} وأهلُه الموحِّدون.
فإن كان قولُه: {بَيْنَهُمْ} مُقتصِرًا على المشركين، فالحُكْمُ بينهم فيما هم فيه
(١) في (ف) و (أ): "الخضوع"، والمثبت موافق لما في "اللطائف".
(٢) انظر: "لطائف الإشارات" للقشيري (٣/ ٢٦٧).
(٣) "والإحاطة" ليس من (أ) و (ف).
(٤) "يوم القيامة" زيادة من (ف).