وذِكْرُ الربِّ على معنى التنبيه على وجوب الإنابة إليه؛ إذ كان هو المالكَ والمدبِّرَ والمُربِّيَ، فهو الأحقُّ بالانقطاع إليه بالعبادة والتعظيم مِن جماد لا يضُرُّ ولا ينفع.
وقولُه تعالى: {وَأَسْلِمُوا لَهُ}: أي: انقادوا له، واجعلوا أنفسكم سالمةً له؛ أي: خالصةً مُسْلِمةً إليه لا ممنوعة، مسالِمةً له لا مُنازِعة.
{مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ}: في الدنيا والآخرة بعد الموت.
{ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ}: أي: وإذا أتاكم (١) العذاب لم ينصُرْكم ناصر، ولم يمنعْكم مِن عذاب اللَّه مانع.
وقال الإمام القُشَيري: الإنابة: الرجوع بالكُلِّيَّة، والفَرْق بين الإنابة والتوبة: أنَّ التائب يرجع مِن خوف العقوبة، والمُنيبَ يرجع استحياءً لكرَمه، {وَأَسْلِمُوا لَهُ}؛ أي: أخلِصوا، والإخلاصُ بعد الإنابة أنْ يعلَم أنَّ نجاته بفضله لا بإنابته، فبفضله وصلَ إلى إنابته، لا بإنابته وصلَ إلى فضله (٢).
* * *
(٥٥) - {وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ}.
وقولُه تعالى: {وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ}: أي: اتَّبعوا طاعة اللَّه فيما أَمر ونهى مِن أصل الإيمان وفروعه، فإنه أحسن ما أنزل اللَّه في الكتاب؛ لموافقتها دلائلَ العقول، ولحُسْن عاقبتها، والثوابِ الجزيل عليها، ويُقابلها الكفر والمعاصي؛ لقُبْحها في دلائل العقول، ولسوء عاقبتها، والعذابِ الأليم عليها.
(١) في (ف): "أذقناكم".
(٢) انظر: "لطائف الإشارات" للقشيري (٣/ ٢٨٨).