ألا تَتَّقِينَ اللَّهَ في جَنْبِ عاشقٍ... له كبِدٌ حرَّى عليك تَقَطَّعُ (١)
وقولُه تعالى: {وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ}: له وجهان: وما كنتُ إلَّا مِن الساخِرين، وقد كنتُ مِن الساخِرين؛ أي: في لعِبٍ مِن أمري في الدنيا وباطلٍ.
وقيل: أي: مع تفريطي في أمر اللَّه كنتُ أسخَرُ ممَّن لا يُفَرِّط في أمر اللَّه، ونظيرُه قوله: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ} المطففين: ٢٩ الآيات، {أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} الزمر: ٥٧؛ أي: الشرك والمعاصي.
وقال الإمام أبو منصور رحمه اللَّه: هذا الكافر أعرَفُ بهداية اللَّه مِن المعتزلة، وكذا ما قال أولئك الكفرةُ لأتباعهم: {لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ} إبراهيم: ٢١، يقولون: لو وفَّقَنا اللَّه للهداية وأعطانا الهدى لدعوناكم إليه، ولكنْ علِمَ منا اختيار الضلالة والغِواية، وتَرْكَ الرَّغْبة في الهدى، والاستخفافَ به، فأضلَّنا وخذَلَنا ولم يُوفِّقْنا، والمعتزلة يقولون: بل هداهم وأعطاهم التوفيق لكنهم لم يهتدوا (٢).
* * *
(٥٨) - {أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}.
وقولُه تعالى: {أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً}: أي: رَجْعةً إلى الدنيا.
{فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}: نصبٌ بالفاء في جواب التَّمَنِّي.
(١) انظر: "ديوان كثير" (ص: ١٧٧)، و"الحماسة البصرية" (٢/ ١٢٢)، وفي الديوان: "حب" بدل: "جنب"، و (تصدَّع) بدل: "تقطَّع"، ونسب لجميل بثينة، كما في "ديوانه" (ص: ٢٩) من قصيدة مطلعها: أهاجك أم لا بالمداخل مربع.
(٢) انظر: "تأويلات أهل السنة" للماتريدي (٨/ ٦٩٧).