استفهامٌ مختصرٌ؛ أي: أَتجعلُ فيها مَن يُفسد فيها، أم مَن يُصلِح فيها، أم (١) مَن يسفك الدماء جراءةً، أم مَن يَسفح الدموعَ خشيةً؟ ويجوز حذفُ أحدِ الشيئين إذا دلَّ المنفيُّ على المَلغيِّ، كما في قوله تعالى: {وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ} النحل: ٨١؛ أي: الحرَّ والبردَ.
وقيل: هو سؤال الحكمة؛ أي: أيُّ حكمةٍ في خَلْق مَن يُفسد ويَسفك؟
وقيل: هو للإثبات، كما في قوله تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا} الحديد: ١٦؛ أي: قد آنَ، وقال الشاعر:
أَلستُم خيرَ مَن ركبَ المطايا... وأَندى العالمينَ بطونَ راحِ (٢)
فإن قالوا: لِمَ استخلفَ اللَّهُ تعالى خليفةً في الأرض لا في السماء؟
قلنا: لأنَّه عَلم أنَّه يكون في الأرض تَباغٍ وتَظالُمٌ، فجعل فيهم مَن يمنعُهم مِن (٣) ذلك، ولم يَكن في السماء ذلك، فلم يجعل فيهم خليفةً.
فإن قالوا: إنَّما يَستخلِف مَن غاب أو عَجَزَ، واللَّهُ تعالى مُنزَّه عن ذلك كلِّه؟
قلنا: بلى، لا يَغيب عنه شيءٌ، وهو لا يَغيب عن شيءٍ، لكنَّ الأمرَ غيبٌ، وليس كلُّ عبدٍ يَطَّلع على الغيب، فخصَّ الأنبياء بذلك، ونصب آدم خليفةً ونبيًّا، ليُبلِّغهم ذلك، ولا عَجْزَ أيضًا، لكنَّ العبادَ يَعجِزون عن الوقوف على حقوقِ اللَّه تعالى، فجاء الخليفةُ (٤) ليُبيِّنَها (٥) لهم.
(١) في (أ) و (ف): "و".
(٢) البيت لجرير، وهو في "ديوانه" (١/ ٨٩).
(٣) في (ف): "عن".
(٤) في (ر): "بالخليفة".
(٥) في (ف): "لتبيينها".