وقرأ عمرو بن عبيد: (وإنْ يُسْتَعْتَبوا) على ما لم يُسَمَّ فاعلُه، (فما هم مِن المعتِبين): بكسر التاء (١)؛ أي: إنْ سُئِلوا بأنْ يعملوا بما يُرْضون به ربَّهم لم يفعلوا؛ أي: لم يُمكنهم ذلك ولم يَقْدِروا عليه؛ لأنَّهم فارَقوا دار المِحْنَة والعمل.
ويُقال: عتِبَ على فلان؛ أي: وجَدَ عليه مَوْجِد، فعاتبَه؛ أي: خاطبَه بإظهار المَوْجِدَةِ، فاستعتبَه؛ أي: استرضاه، فأعتبَه؛ أي: أرضاه، والعُتْبى: الرِّضى إذا زال سببُ المَوْجِدَةِ.
* * *
(٢٥) - {وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ}.
وقولُه تعالى: {وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ}: وهذا قَبْل إنزالِ العذاب المستأصِلِ.
أي: قدَّرْنا. وقيل: هيَّأْنا. وقيل: سلَّطْنا. وقيل: أبدَلْنا.
{قُرَنَاءَ}: جَمْعُ قرين، وهم مِن الشياطين؛ كما قال: {نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} الزخرف: ٣٦؛ أي: اختاروا الضلالة فسلَّطْنا عليهم شياطين يُضِلُّونهم ويُزِلُّونهم.
{فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ}: أي: زيَّنوا لهم ارتكابَ المعاصي والملاذِّ المحظورة، فهوَّنوا عليهم أمرَ الآخرة والحساب والجزاء، فقيل: {مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ}: الآخرة؛ لأنَّهم يأتونها، {وَمَا خَلْفَهُمْ}: الدنيا؛ لأنَّهم يتركونها.
وقيل: هو على القلب، {مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ}: الدنيا؛ لأنَّها حاضِرةٌ لهم؛ كما يُقال: قدَّمْتُ المائدةَ بين يديه، {وَمَا خَلْفَهُمْ}: الآخرة؛ لأنَّها مِن بَعد هذا تأتيهم.
(١) ذكرها ابن جني في "المحتسب" (٢/ ٢٤٥)، وابن عطية في "المحرر الوجيز" (٥/ ١٢) عن الحسن وعمرو بن عبيد وموسى الأسواري.