أحدها: أنَّه كلمةُ تعجُّب، قال الشاعر:
أقولُ لمَّا جاءَني فخرُه... سبحانَ مِن علقمةَ الفاخِرِ (١)
ومعناه: عجَبٌ سؤالُنا عمَّا لا علمَ لنا به.
والثاني: أنَّه تنزيهُ اللَّهِ تعالى عن أنْ يَخفى عليه ما خفيَ عن الملائكة، ونصبه على المصدر عند الخليل بنِ أحمد (٢)؛ أي: ننزِّهك تنزيهًا، وقال النقَّاشُ: هو على النداء؛ أي: يا سبحانك.
والثالث: أنَّهم بدؤوا بالثناء على اللَّه تعالى قبل الجواب، وكذا يجب على العبد في كلِّ خطاب.
والرابع: أنَّهم ذكروه على وجهِ التوبةِ عمَّا قالوا؛ فإنَّها كلمةٌ تقدَّم على التوبة، قال تعالى خبرًا عن موسى صلوات اللَّه عليه: {سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ} الأعراف: ١٤٣؛ أي: يا طاهرُ، طهِّرني عن العيب الذي وقعتُ فيه.
والخامس: أنَّهم حقَّقوا ما وَعَدوا مِن أنفسهم: {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ}.
وقوله: {لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا} قال ابنُ عباس وابنُ مسعود والحسن ومحمد بنُ إسحاق معناه: إنَّك أَعلمتنا أنَّهم يُفسدون في الأرض، فقلنا: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا} وما أَعلمتنا مِن هذه الأسماء فلا نَعلمها، ولو اكتَفوا بقولهم: {لَا عِلْمَ لَنَا} لكان جوابًا تامًّا، لكن قالوا: {إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا} ليكون زيادةَ عبودةٍ، فإنَّ قولَهم: {لَا عِلْمَ لَنَا} مِن باب العذر، وقولهم: {إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا} مِن باب الشكر، وهما جماعُ كلِّ الخير.
(١) تقدم قريبًا.
(٢) انظر: "إعراب القرآن" للنحاس (١/ ٢١٠).