ثم هذه الجنَّة كانت جنّةَ الخلد، وهي مخلوقةٌ اليوم عندنا، وقالت المعتزلة: هي غيرُ مخلوقة، والنصوصُ تُبطِل مقالتَهم.
وقالوا: هذه الجنَّة كانت بستانًا بين فارسَ وكِرمان مِن أرض فلسطين.
وقالوا: لا يجوز أن تكون هذه جنّةَ الخلد؛ لأنَّ اللَّهَ تعالى أَمرهما ونَهاهما فيها، وجنَّة الخلد لا يكون فيها أمرٌ ولا نهيٌ، ولأنَّهما أُخرجا منها، وداخلُ جنَّة الخلد لا يَخرج منها، ولأنَّهما زلَّا فيها، وجنَّة الخلد لا يقع الزَّلل فيها، ولأنَّ الشيطانَ وسوسَ إليهما فيها، ولا وسوسةَ في جنَّة الخلد.
وقلنا: قد قال اللَّهُ تعالى لآدم: {إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (١١٨) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى} طه: ١١٨ - ١١٩ وذاك صفةُ جنَّة الخلد، وقال: {اهْبِطُوا مِنْهَا} البقرة: ٣٨ والهبوطُ يكون مِن عُلوٍ إلى سُفلٍ، ولا يَستقيم ذلك في بستانٍ مخلوق (١) على الأرض.
فأمَّا الأمرُ والنهيُ: فذاك تكليفٌ، وهو لا يَزول عن أهل الجنَّة، فإنَّهم مكلَّفون بالمعرفة والتوحيد.
وأمَّا الإخراجُ منها: فإنَّ الإدخالَ كان للابتلاء لا للجزاء، وقد دخلها النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- ليلةَ المعراج ثم خرج منها.
وأمَّا الزَّلل: فلهذا المعنى أنَّه كان للابتلاء لا للجزاء.
وأمَّا وسوسةُ الشيطان: فلم يكن منه وهو فيها، على ما نبيِّن إنْ شاءَ اللَّهُ تعالى.
وقوله تعالى: {وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا}: هذا أمرٌ لآدمَ وحوَّاء.
(١) في (ر): "البستان المخلوق".