قوله تعالى: {وَكَأْسٍ}: وهو القَدَحُ إذا كان فيه شرابٌ {مِنْ مَعِينٍ}؛ أي: مِن خمرٍ جاريةٍ، كالماءِ المعين، وهو الظَّاهر الجاري.
وقيل: هو فَعِيلٌ بمعنى: الإمعان، وهو الإسراعُ، وأُرِيدَ به: سرعة الجري.
وقيل: هو مفعولٌ مِن العين؛ أي: تراه العيون ظاهرة.
أخبرَ أنَّ خمرَ الآخرة ليسَتْ كخمرِ الدُّنيا تُستَخرجُ بتكلُّف وعلاجٍ وتكون في أوعية، بل هي جارية كثيرة، كما قال: {وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ} محمد: ١٥.
* * *
(١٩) - {لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ}.
قوله تعالى: {لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا}؛ أي: لا ينالُهم بشربِها صُداعٌ كما ينالُهم ذلك مِن خمرِ الدُّنيا.
{وَلَا يُنْزِفُونَ}: قرأ حمزة والكسائيُّ وعاصمٌ (١) بكسر الزَّاي، ومعناه: لا تفنَى خمورُهم، يقال: أَنْزَفَ القومُ: إذا فنيَ زادُهم.
وقرأ الباقون بفتح الزَّاي (٢)، ومعناه: لا تذهبُ عقولُهم، يُقال: نَزَفَ الرَّجل: إذا ذهبَ عقلُه، وإذا ذهبَ دمُه.
فنفى بهذا جميعَ عيوبِ خمرِ الدُّنيا: مِن عُدْمِ العَقلِ بها بالسُّكْرِ، وذهابِ المال، ونفادِ الشُّرابِ.
(١) في (أ) و (ر): "وعاصم في رواية أبي بكر"، والمثبت هو الموافق لما في "السبعة" و"التيسير" و"النشر".
(٢) انظر: "السبعة في القراءات" (ص: ٥٤٧)، و"التيسير" (ص: ٢٠٧)، و"النشر" (٢/ ٣٥٧).