وقال الزَّجَّاج: {مِنْ} لتخليص الذُّنوب من سائر الأشياء، كقوله: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ} الحج: ٣٠ (١).
وقيل: {يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ} ما أَوْعَدكم العقوبة عليه.
{وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى}: قال مقاتل: أي: إلى منتهَى آجالكم في الدُّنيا في عافية، فلا يعاقبكم بالغرق ولا بغيره.
{إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ}: أي: الوقتَ الذي أجَّله لعذابكم {لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} أحكامَ اللَّه في خلقِه.
فلم يتوبوا، فحبسَ اللَّه عنهم المطرَ، وأعقم أرحام نسائهم أربعين سنة، ثم عوقبوا لتمام أربعين سنة ليس فيهم صبيٌّ.
* * *
(٥ - ٧) - {قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا (٥) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا (٦) وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا}.
وقوله تعالى: {قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا}: أي: بلَّغهم ما أُرسلَ (٢) به إليهم فعصَوه وكذَّبوه، وقال: يا ربِّ إنِّي دعوت قومي إلى ما أمَرْتني به أن أدعوَهم إليه من عبادتك وتقواك ليلًا ونهارًا مواصلةً كلَّما أَمْكَنني.
{فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا}: أي: لم يزدادوا عند دعائي إلَّا فرارًا عن إجابتي، كما قال: {أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا} التوبة: ١٢٤.
(١) انظر: "معاني القرآن" للزجاج (٥/ ٢٢٨). ولفظه: ودخلت {مِنَ} تختص الذنوب من سائر الأشياء، لم تدخل لتَبْعيض الذنُوب، ومثله قوله: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ} معناه اجتنبوا الرجس الذي هو الأوثان ليس الرجس ههنا بعض الأوثان.
(٢) في (ر): "بلغتهم ما أرسلت".