والعمل في دنياه لإصلاح معاشه، ويصلح للتكليف لكمال حواسِّه، وفيه النطقُ والبيان والتمييز والتدبير.
{ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ}: قيل: بدَّلناه حالًا بعد حال إلى أن يرجع إلى الهرم ويبلغَ أرذل العمر.
وقال ابن عباس رضى اللَّه عنهما: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} يعني: في أعدل خَلْق {ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ} يعني: إلى أرذل العمر (١).
وقال عكرمة: {فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} يعني: في أحسن صورةٍ وأعدلها؛ قائمًا منتصبًا على رجليه يأكل بيده، وكلُّ شيء سواه يمشي على أربعٍ ويأكل بفمه (٢).
وقال عطاء بن أبي رباح: {فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} يعني: أحسنَ الخلق {ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ} يعني: إلى النار {إِلَّا} المؤمنَ.
و {الْإِنْسَانَ} في معنى الناس لأنه جنس، فيصحُّ استثناء المؤمنين منهم، وعلى هذا هو أسفلُ سافلين في النار، وعلى الأول هو أسفلُ طبقة الضعفاء والزَّمْنى، والنكرة على معنى أنه أسفلُ مَن سَفَلَ من الناس؛ أي: عجز عن الاحتيال لنفسه والعمل لمصالحه، فهم في سفولٍ وأضدادُهم من الأصحاء والأقوياء في علوٍّ.
وقيل: هاهنا مضمر وتقديره: ثم ردَدْنا الناس إلى أسفل سافلين، فزالت عقولهم وضعُفت قواهم، وصاروا بحيث لا يُكتب لهم عمل ولا يَكتسبون أجرًا.
* * *
(١) رواه الطبري في "تفسيره" (٢٤/ ٥٠١١ و ٥١٣).
(٢) رواه بنحوه الطبري في "تفسيره" (٢٤/ ٥١٢) من طريق عكرمة عن ابن عباس.