ثمَّ مِن عظيمِ فضلِ اللَّه جلَّ وعلا أن هيَّأ لهم الأسبابَ، وفتحَ عليهم مِن النِّعَمِ الكثيرةِ الأبواب قبل أنْ يُكلِّفَهُم شيئًا بالخطاب، ثمَّ أمرهم بشيئين؛ بعملٍ يسيرٍ، وقولٍ قصيرٍ، فالعملُ: الانحناءُ عند الدُّخول، والقولُ: التَّكلُّم بالكلام المنقول (١)، ثمَّ وعدَ عليها (٢) غفرانَ السيِّئاتِ، والزِّيادةَ في الحسنات.
وقوله تعالى: {نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ}: الغَفْرُ والغُفرانُ والمغفرةُ: سترُ الذُّنوب، والغِفَارةُ والمِغْفَرُ مأخوذان (٣) من ذلك، وكذا غَفْرُ الثوب، وهو زِئْبَرُهُ (٤) الذي يَسترُ نَسجَهُ، والجمُّ الغَفير: الجمعُ الكثير السَّاترُ المكانَ (٥).
والخطايا جمع الخطيَّة، كالبلايا جمعُ البَلِيَّة، والخطأُ ضدُّ الصَّواب، والخِطأ -بكسر الخاء- والخطيئة: الاثم، وخطئ؛ أي: أثِمَ متعمِّدًا، وأخطأ، إذا لم يتعمَّد (٦)، والخطيئاتُ جمعُ سلامةٍ للخطيئة.
وَعَدَ غفرانَ كلِّ الخطيئات مِن غير قصرٍ على عددٍ، وقَصَرَ العملَ على أقصرِ العدد.
وقوله: {وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ} أي: سنزيدُ المحسنين منكم بطاعتِه في أمرنا هذا إحسانًا آنفًا إلى سالف إحساننا عنده، فنزيدُه في سَعَة دُنياهُ وثوابِ عُقباه.
وقيل: وسنزيدُ المحسنين منكم فيما بعدُ في المغفرة وثواب الآخرة.
(١) في (ف) "بالمنقول" بدل: "بالكلام المنقول".
(٢) في (أ): "عليهما".
(٣) في (ف): "مأخوذ".
(٤) في (ف): "زيبره"، ووقع في هامشها: "الزيبر ما يعلو الثوب الجديد".
(٥) في (أ): "للمكان".
(٦) في (أ): "يتعمده".