وقوله تعالى: {اهْبِطُوا مِصْرًا} المصرُ: كلُّ كُورةٍ يقام فيها الحدود ويُغزَى فيها الثغورُ، ويُقسَم فيها الأموال من الفيء والصَّدقات مِن غيرِ مؤامرة الخليفة.
وقيل: هو مشتقٌّ من القطع، يقال: مَصَرَ الشَّيءَ (١) يَمصِرُهُ؛ أي: قطعَهُ، سُمِّيَ به لانقطاعه عن الفضاء بالعِمارة.
ثمَّ اختلفَ أنَّه بلدٌ بعينه، أو بلدٌ من البلاد:
قال الحسنُ وأبو العالية والرَّبيعُ: هو مصرُ فرعون الذي خرجوا منه (٢)، قال تعالى: {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} الدخان: ٢٥ إلى قوله تعالى: {وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ} الدخان: ٢٨، وقال تعالى: {وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ} الشعراء: ٥٩.
وقيل: أراد به بيت المقدس، قال تعالى: {ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} المائدة: ٢١، وعلى هذا إنَّما نوَّنهُ هاهنا لأنَّه أرادَ به البلد (٣)، وهو مذكَّرٌ، ولم ينونه في قوله: {وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ} يوسف: ٩٩؛ لأَنَّه أراد به البلدة، وهي مؤنَّثةٌ، فلمَّا (٤) اجتمعَ التَّعريفُ والتَّأنيث امتنعَ الصَّرفُ، وفي الأول لم يجتمعا.
وقيل: أراد به مِصرًا من الأمصار غيرَ معيَّنٍ (٥)؛ لأنَّ ما سألوهُ مِن البقل ونحوِه لا يكون إلَّا في الأمصار، وهذا قولُ قتادةَ والسُّدِّيِّ ومجاهدٍ وابنِ زيدٍ (٦).
ثمَّ معناه عندَ بعضهم: انزلوا بعضَ الأمصار إن كنتُم تريدونَ هذه الأشياء؛
(١) في (ف): "الفيء".
(٢) انظر: "النكت والعيون" (١/ ١٢٩)، ورواه الطبري (٢/ ٢٤) عن أبي العالية والربيع.
(٣) في (ر) و (ف): "البلدة".
(٤) في (ر) و (ف): "فلما".
(٥) في (أ): "عين".
(٦) انظر: "النكت والعيون" (١/ ١٢٩). وأخرج أقوالهم الطبري (٢/ ٢٢ - ٢٣).