الليل ليقرأَها، فلم يَقدِر، وقامَ آخرُ ليقرأَها، فلم يقدر، فلمَّا أصبحوا؛ ذكروا ذلك لرسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "إنَّها نُسِخَت البارحة" (١).
ومَن قرأها: {نَنْسَأْها} بالهمز والفتح في النون؛ فمعنى ذلك: نؤخِّرها، ومنه: النَّسيءُ، والنَّسِيئةُ، والنَّسَاء، وأنسأ اللَّه أجله، ونسأ في أجله، وللتَّأخير هاهنا معنيان:
أحدهما: أو نؤخِّرها ونبقها غيرَ منسوخةٍ.
والثَّاني: على التَّقديم والتَّأخير: ما ننسخ من آيةٍ، نأت بخيرٍ منها أو مثلها، أو نؤخِّرها فنتركْها منسوخةً كما هي، فلا نأت بخيرٍ منها أو مثلها.
وقال مجاهدٌ: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ} (٢)؛ أي: ما نمحُ من حكمِ آيةٍ وتلاوتها، {أو ننسأها}؛ أي: نثبت تلاوتَها، ونرفع حكمَها؛ {نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} (٣).
وقال عطاءٌ: {مَا نَنْسَخْ}؛ أي: ما نكتب مِنَ اللوح فننزل، {أَو نَنْسَأهَا} أي: نؤخِّرها في اللوح فلا نُنْزِل (٤). فيكونُ هذا من الانتساخ على هذا القول.
وقوله: {نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا} قيل: ليس هذا للتفضيلِ على معنى: بأحسن منها، فإنَّ الآيات كلَّها كلامُ اللَّه تعالى، فلا تتفاضلُ في أنفسها، بل معناه على التقديم والتأخير: نأت بخيرٍ منها؛ أي: بصلاحٍ وخيريَّة، لكن لا يتَّضح هذا التأويل، فإنَّه قال: {أَوْ مِثْلِهَا}، وإذا حمل على ذلك؛ لم يكن لهذه الزيادة معنًى.
= له رؤية، ولم يسمع من النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، توفي (١٠٠ هـ). انظر: "تقريب التهذيب".
(١) رواه أبو عبيد في "الناسخ والمنسوخ" (ص: ١٤ - ١٥) (١٧).
(٢) بعدها في (ف): "أي ما نمسح من حكم آية".
(٣) رواه الطبري في "تفسيره" (٢/ ٣٩٠)، وابن أبي حاتم (١/ ١٩٩، ٢٠٠) (١٠٥٥)، (١٠٦٢) من رواية مجاهد عن أصحاب ابن مسعود رضي اللَّه عنه.
(٤) رواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" (١/ ١٩٩) (١٠٥٦).