وقرأ ابنُ عامر في رواية ابن ذكوان: {مَا نَنْسَخْ مِنْ} بضمِّ النُّون وكسر السِّين (١)؛ مِن الإنساخ، وله معنيان:
أحدهما: ما قالهُ أبو عبيدة: ما نُنْسِخْك يا محمَّد (٢)؛ أي: نأمرْكَ بأن تُبيِّنَ نسخَها، وقد نَسختُ الشَّيءَ بنفسي، وأنْسَختُه غيري؛ أي: حَملتُهُ عليه، كما يقال: كتبتُ بنفسي، وأكتَبتُ غيري.
والثاني: أنْسَختُه؛ أي: جَعلتُهُ ذا نَسْخٍ، كما يقال: أقبرتُه وقَبرتُه: دفنته.
وهذا كلُّه على تأويل مَن جَعلَ الآيةَ مِن آيات القرآن.
ثمَّ الآيةُ معناها الكلامُ المجموع، يقال: خرجَ أحدُ القوم بآيتهِم؛ أي: بجماعتِهم، فالحرفُ الواحدُ والكلمة الواحدة: لا يُنبِئ عن معنى مجموع، فإذا اجتمعَت كلماتٌ صارت آيةً، وفوق الآية سورة؛ أي: درجةٌ مرتفعةٌ، قال النابغة:
ألم ترَ أنَّ اللَّهَ أعطاك سُورةً... تَرى كلَّ مَلْكٍ دونَها يَتذبْذَبُ (٣)
ومنه قولُه تعالى: {إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ} أي: عَلَوهُ، فالسُّورةُ هي المشتملةُ من المعاني على ما زاد على الآية وارتفع عليها، كالقَصصِ ينتظمُها السُّورةُ الواحدة.
* * *
(١٠٦) - {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.
وقيل: معنى هذه الآية {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ}؛ أي: ما نَرفع مِن حُجَّةٍ فنُغَيِّبُها
(١) انظر: "السبعة" (ص: ١٦٨)، و"التيسير" (ص: ٧٦).
(٢) ذكره عن أبي عبيدة المجاشعيُّ في "النكت في القرآن" (١/ ١٤٨).
(٣) انظر: "ديوان النابغة" (ص: ٧٣).