لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي} المائدة: ١١٦ هذا خطابٌ لعيسى صلوات اللَّه عليه يومَ القيامة ردًّا على النَّصارى.
وقيل: هو خطابُ مَن كان يُجادِلُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في النَّسخِ، ويَدلُّ عليه أنَّه قال بعده: {وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ} البقرة: ١٠٧، وهذا خطابُ اليهود. والصَّحيحُ أنَّه خطابُ المؤمنين، فإنَّه يَتضمَّنُ الوعدَ لهم بالولاية والنُّصْرة.
وقوله تعالى: {أَلَمْ تَعْلَمْ} هذا استفهامٌ بمعنى التقرير؛ أي: قد عَلِمتَ، كقولك لصاحبِك: ألم أُعطِك كذا؛ أي: قد أعطيتُكَ.
وقيل: هو استفهامٌ بمعنى الأمر؛ أي: اعلم، كقولك لصاحبك: ألم تَعلَم أنَّ زيدًا قَدِمَ؛ أي: اعلم، وهو كقوله: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} المائدة: ٩١؛ أي: انتَهُوا.
وقوله: {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} أي: يَقدِرُ على أنْ يَتَعبَّدَ عباده بما شاء مِن العبادات المختلفة، ويَنقُلَهم من عبادةٍ إلى غيرِها، على حسب ما يَعلمُهُ صلاحًا لهم.
وقوله تعالى: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} وله وجهان أيضًا كما للأوَّل؛ أي: قد عَلِمتَ، أو: اعلم، وهذا تفسيرُ قولِه: {عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} فالملكُ تمامُ القدرةِ واستحكامُها؛ أي: قد علمتُم أنَّه مالكُ السَّماوات والأرضِ وقادرٌ عليها، وأنَّه مالككُم فله الخَلْقُ والأمر.
وقوله تعالى: {وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ} وكلمةُ {مِنْ} لتأكيد الجَحْدِ، {وَلَا نَصِيرٍ} عطفٌ على الجَحدِ، ولو لم تدخل "لا" لوَقعتِ الشُّبهةُ أنَّه ليس لهم هذان جميعًا؛ الوليُّ والنَّصير، إنَّما لهم أحدهما، فقال: {وَلَا نَصِيرٍ} نفيًا لكلِّ واحدٍ منهما قصدًا.