وقال ابنُ عباس رضي اللَّه عنهما هو حيي بن أحطب وأمثالهما (١).
وقال مقاتل: إنَّ نفرًا من اليهود، منهم فنحاص بن عازورا وزيد بن قيس، دعَوا حذيفةَ بنَ اليمانِ وعمَّارَ بنَ ياسرٍ إلى دينهم بعد قتالِ أحد، فقالوا لهما: إنَّكما لم تصيبا خيرًا؛ للذي أصابَهم يومَ أُحُدٍ مِن البلاء، وإنَّ دينَنا أفضلُ من دينِكم، ونحنُ أهدى منكم سبيلًا، فقال لهم عمَّار: كيفَ نقضُ العهدِ فيكم؟ قالوا: شديدٌ، فقال: إنِّي عاهدتُ ربِّي ألَّا أكفرَ بمحمَّدٍ، ولا أتَّبعَ دينًا غيرَ دينِه، فقالوا: أما عمار فقد صبأ وضلَّ عن الهُدى بعد إذْ أبصرَه، فكيف أنت يا حذيفة، ألا تبايعنا؟ قال حذيفة: اللَّهُ ربِّي، ومحمَّد نبيِّي، والقرآنُ إمامي، أطيعُ ربِّي، وأقتدي برسوله حتَّى يأتيني اليقين، فقالوا: وإلهِ موسى، لقد أُشْرِبَت قلوبُكما حبَّ محمَّدٍ (٢).
فأخبرا النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بما قِيل لهما وبما ردَّا عليهم، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أصبتُما إذًا الخيرَ، وأفلحتُما"، فأنزلَ اللَّهُ تعالى هذه الآيةَ: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} الآية (٣).
ونظيرُه قولُه تعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ}، ونظيرُه {وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} الآية آل عمران: ٦٩، وقولُه تعالى: {إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ}.
وقوله تعالى: {حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ} الحسد: الأسفُ على مَن له خيرٌ بخيرِه، والتمنِّي أنْ يزولَ عنه إليه. و {حَسَدًا} نصبُه لوجهين:
أحدهما: أنَّه مفعولٌ له؛ أي: يفعلون ذلك لأجلِ حسدِهم.
(١) روى أقوالهم الطبري في "تفسيره" (٢/ ٤١٩).
(٢) في هامش (ف): "نسخة: ثم أتيا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأخبراه".
(٣) "تفسير مقاتل" (١/ ١٣٠)، وذكره الثعلبي في "تفسيره" (١/ ٢٥٧) دون نسبته لمقاتل.