والثاني: أنَّه نصبٌ على الحال وهو مصدرٌ أريدَ به نعتُ الجمعِ؛ أي: حاسدينَ لكم.
وقوله تعالى: {مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ}؛ أي: من قِبَلِ أنفسِهم مِن غيرِ أنْ يُؤمَروا به.
وتعلَّقتِ المعتزلةُ بظاهرِه أنَّ المعصيةَ مِن جهة العبد، لا فعلَ للَّه تعالى فيها، ونحن نقولُ: لا حجَّة لكم فيه؛ فإنَّا نقولُ: الإيمانُ والكفرُ والطَّاعاتُ والمعاصي أفعالُ العباد، وهي مخلوقاتُ اللَّهِ تعالى، والفِعلُ مِن العبدِ، والتَّخليقُ مِن اللَّه، والآيةُ لا تَنفي ما قُلنا.
وقوله تعالى: {مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ}؛ أي: بعد ما ظهرَ لهم أنَّ محمَّدًا رسولُ اللَّه، وأنَّ الإسلامَ دينُ اللَّه، قاله قتادةُ والرَّبيعُ بن أنس (١).
وقوله تعالى: {فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} العفوُ: التَّركُ، والصَّفحُ: الإعراض.
وانتظامُها بما قبلَها أنَّه رُويَ عن الصَّحابة رضوانُ اللَّه عليهم استأذنوا رسولَ اللَّه أنْ يَقتلُوا هؤلاء اليهودَ الذين كفروا بأنفُسِهم، ودَعَوا المسلمين إلى الكفر، فنزلت الآيةُ أن اتركوا قتالَهم، وأعْرِضوا عن مكافأتِهم، {حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ}؛ أي، يَحكُمَ بحكمِه في بني قريظةَ والنَّضير، فحكمَ في بني قريظةَ بالقتل، وفي بني النَّضيرِ بالإجلاء.
وقيل: هو نهيٌ عن القتالِ، نُسِخَ بآيةِ السَّيف، ومعنى قوله: {حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ}؛ أي: يأمرَ بالقتال.
فإن قالوا هذه السُّورةُ مدنيَّةٌ، والأمرُ بالقتال كان سابقًا، فما معنى الأمرِ بترك القتال؟
(١) أخرج قوليهما الطبري في "تفسيره" (٢/ ٤٤٢).