ومسألة اختيار من يقوم بالجمع تقديرية، ولا شكَّ أن تقدير عثمان، ومن قبله أبو بكر وعمر أن زيدًا أكفأ من غيره للقيام بِهذا العمل -أصدق من تقدير ابن مسعودٍ له، كما مرَّ بنا قريبًا في تصويب اختيار عثمان زيدًا على غيره. (١)
وبهذا ينتهى عرض الشبهة السابعة وجوابها. والحمد لله رب العالمين.
الشبهة الثامنة: موقف ابن مسعود (ت: ٣٢ هـ) -رحمه الله-: -رضي الله عنه- من الفاتحة والمعوذتين
وسنتناول في ضوئها ثمان محاور رئيسة على النحو التالي:
المحور الأول: مضمون هذه الشبهة وفحواها
وهي شبهة: خلو مصحفه من فاتحة الكتاب، وقوله بأن المعوذتين ليستا من القرآن الكريم.
وحول فحوى هذه الشبه يقول الزُّرْقاني (ت: ١٣٧٦ هـ) -رحمه الله- في "مناهله":
طعن بعض الطاعنين على بأن عبد الله بن مسعود-رضي الله عنه- أنكر أن المعوذتين من القرآن، وكان يَمحوهما من المصحف، وأنه لم يكتب فاتحة الكتاب في مصحفه، وزعموا أن في ذلك قدحًا في تواتر القرآن. (٢)
المحور الثاني: القول بأنَّ المعوذتين دُعَاءٌ تَعَوَّذَ بهِما ولَيْسَتَا مِن القرآنِ ورد هذه الشبهة خاصة
ذكر جملة من تلك الأقوال ومناقشتها:
القول الأول: قول المَاوَرْدِيُّ: وهو: عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَبيبٍ المَاوَرْدِيُّ (ت: ٤٥٠ هـ)
قال: وزَعَمَ ابنُ مسعودٍ أنَّهما دُعَاءٌ تَعَوَّذَ بهِ ولَيْسَتَا مِن القرآنِ، وهذا قولٌ خالَفَ به الإجماعَ مِن الصحابةِ وأهلِ البيتِ .. (٣)
القول الثاني: قول السَّخَاوِيُّ: وهو: علمُ الدِّينِ عليُّ بنُ محمَّدٍ السَّخَاوِيُّ (ت: ٦٤٣ هـ)
قال: وَهَاتَانِ السُّورَتانِ منَ القُرآنِ بإجْمَاعِ الأمَّةِ، وَيُرْوَى عنِ ابنِ مَسْعودٍ أنَّه كانَ يَحُكُّهُمَا مِنَ المصَاحِفِ وَيقُول: (لا تزيدوا في كِتَابِ اللهِ ما ليسَ منه)، فإنْ كانَ هذَا صَحِيحًا عنهُ فَسَبَبُهُ أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يُعَوِّذُ بهمَا سِبْطَيهِ فَظَنَّ أنهما عُوذَتانِ. والمسلمون كلهم على خلاف ذلك. (٤)
القول الثالث: قول العزُ بن عَبْدِ السلامِ عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ عَبْدِ السَّلامِ السُّلَمِيُّ (ت: ٦٦٠ هـ)
(١) - مناهل العرفان للزرقاني: (١/ ٢٨٣).
(٢) نفس المرجع السابق: (١/ ٢٧٥).
(٣) - النكت والعيون: (٦/ ٣٧٣).
(٤) - جمال القراء: (١/ ٢٠٣ - ٢٠٤).