ما زلت أنف أن أؤلّف مدحه ... إلاّ لصاحب منبر وسرير
ما ضرّني حسد اللئام ولم يزل ... ذو الفضل يحسده ذوو التقصير
أنشدني أبو الفضل النحوي لأبيه: الوافر
يقول أنا الكبير فبجّلوني ... ألا ثكلتك أمّك من كبير
إذا كان الصغير أعمّ نفعا ... وأمضى عند نائبة الأمور
وأنفذ في الحوادث إن ألمت ... فما فضل الكبير على الصغير
اخبرنا ابن دريد عن عمه عن أبيه عن ابن الكلبي قال: حدثني رجل من أهل الكوفة من بني الطمح بن كندة قال: كنت احضر مجلس شريح وهو يتقلد القضاء لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فجاءه يوما رحل جيدر صعل الرأس ناتيء الجبهة شتيم الوجه كأنه محراث، ومعه امرأة كأنها فاقة عنساء تقلب عينين نجلاوين كأن هدبهما قوادم خطّاف فأبرزت عن ساعد كالإغريض بياضا وأنامل كنبات النقا ثم قالت بأعذب لفظ وأفصحه مبدية عن ثنايا كالبرد ثم قالت: يا أيها الحاكم هذا بعلي، فقال شريح: أهو كذلك؟ فافتر بشفتين تنصاوين عن أسنان ضخمة كأنها سناسن عير فقال لها شريح: ما شأنه؟ قالت: أيها الحاكم انه ابن عمي أنا خولة بنت محرمة أحد نساء جرم وقد هاجرني عن أهلي وغرّ ب بي عن ذوى قرابتي، فصرت لا أنظر إلاّ اليه، ولا أصول إلا عليه وهو والله نهم إذا أكل، نحس إذا سأل، مقفل اليدين بالبخل، مطلق اللسان بالخطل، يأكل وحده ويمنع رفده ويخلف وعده إن شانيت قطب، وان تراشيت غضب، يصون ماله ويمتهن عياله. فصاح الرجل: يا للرجال للأفيكة، ثم جثها على ركبتيه فقال: يا أيها الحاكم بل سائل سراة بني جرم فانهم سيخبرونك بالجالي من الخبر: البسيط
هل أترك الناقة الكوماء لاهية ... إذا تلاعبت النكباء بالخطر
للجار والضيف والمعتر قد عملوا ... في ليلة تنبع السغّان بالخَصَرِ
وابطر الخصم ذا العوراء حجته ... حتى يلجلج من عّي ومن حصر
وأترك القرن مصفرا أنامله ... دامي المرادغ منكبا على العفر
واسألهم هل رموا بي نحو داهية ... فلم أكافح شيا أنيابها البتر
وأسألهم كيف ذبه عن حريمهم ... إذا ترامى استعار الحرب بالشرر
أني لأعظم في عين الكميّ على ... ما كان فيّ من التجدير والقصر
حتى يصدّ لواذاً عن مبادهتي ... صدّ الهجارس عن ذي اللبدة الهصر
تا لله تجمع شخصينا ملاءمة ... من بعد ذا اليوم في بدو ولا حضر
فقال له شريح: أفصح عن نيتك فيها. فقال: هي طالق ثلاثا، وهذا الشاب ابن أبان بن أبي وليها يقوم برؤيتها إلى انقضاء عدتها، ثم نهض.
الجيدر: القصير ومثله البحتر والبهتر والكؤالك والحنبل. والضكضاك والدنامة والدنية. والصعل: الصغير الرأس، والشتيم: القبيح الوجه، والمحراث: العصا التي تحرك بها النار وقد اسودت واحترق بعضها، والعنساء: الناقة البيضاء، والعينان النجلاوان: الواسعتان. والهدب: الشعر النابت حول العين، ومنبت الشعر يقال له: الشعر. والأغريض: الطلع إذا انشقّ عنه وعاؤه والوعاء: الحفرى، والأنامل: أطراف الأصابع، ونبات النقا ورد يشبه به العرب الأنامل بها لنعتها وبياضها وهي الأساريع أيضا واحدها أسروع، والنقا: الرمل مقصور، والنهم: الشره، والفلحس: الكلب، والمساناة: المداراة والملاينة، ومنه قول الشاعر: الطويل
ولا تيأسا واستنورا الله انه ... إذا لله سنىّ صلّ عقد تيسّرا
استنورا يقول: اطلبا منه النيرة وهي الميرة، ومعنى سنىّ: سهلّ، والأفيكة: البهتان والكذب وأصله الكلام المقلوب عن جهته، والجالي من الخبر: الواضح، والكوماء: العظيمة السنام، والسغّان: الرمح الباردة، والخَصرَ: البرد، والمرادغ: ما بين الترقوة والعنق واحدها مردغة ومثلها البادل واحدها بأدل بغير هاء. والكمي: الشجاع واشتقاقه من قولهم تكمىّ للشر إذا تعمدّ له وقال بعضهم: اشتقاقه من قولهم كمي فلان شهادته أي سترها