٢- الدعوة إلي تجديد الدين وإلي الاجتهاد في فهمه لمن يملك شروطه وفي مجال الاجتهاد والنظر إلي الإسلام وأصوله وإلي العصر ومشكلاته بعين آخرى.
٣- الاستفادة من كل المدارس الإسلامية في علاج مشكلاتنا المعاصرة وخصوصا المدارس التحديدية في تراثنا الفكرى والفقهى, والانتفاع بإبداعاتها والإضافة إليها.
٤- رفض ما ألصق بالإسلام من أفهام خاطئة من رواسب عصور الهزيمة والتراجع الحضارى عملا بالقول المأثور: خذ ما صفا ودع ما كدر.
٥- الانتقاء مما جاءتنا به الحضارة الغربية فلا نقبل كل ما جاءت به’ ولا نرفضه بل نأخذ منها ما ينفعنا وما يتفق مع قيمنا وشريعتنا, وندع ما يضرنا وما يخالف ديننا ومن أهم ما نأخذ منها: الجوانب العلمية والتكنولوجية والإدارية فاقتباس هذه الجوانب وإتقانها فريضة وضرورة وهى في الواقع بضاعتنا ترد إلينا.
٦- المشروع للأمة الإسلاميى كلها ,لكن مصر هى نقطة الانطلاق لموقعها الدينى والحضارى والتاريخى والجغرافي ,ولأنها بلد الأزهر والوطن الأم للحركة الإسلامية ولتجاوب جماهير شعبها مع الإسلام فكرا وشعورا وسلوكا.
٧- تقوم النهضة أول ما تقوم علي تحرير الوطن – المصرى والعربى والإسلامى – من الاستعمار وآثاره الثقافية والتشريعية والتربوية والاجتماعية وإعادة بنائها في شتى نواحى الحياة.
٨- أن تقوم فيها للإسلام دولة قوية تبنى عقيدته وتحكم شريعته وتثبت قيمه, دولة شورية مجددة وملتزمة, تستلهم التراث, وتعايش العصر , تؤمن بالله ربا وبالإنسان خليفة في الأرض, وتؤدى الواجبات وترعى الحقوق, وتصون الحريات, وتؤمن الحرمات وتقوم بمهمتها في تعبئة قوى الشعب, وجمع كلمة العرب والمسلمين وتبليغ رسالة الإسلام إلي العالم.
٩- العمل علي إقامة مجتمع فاضل راق جدير بالانتماء للإسلام متحرر من الظلم والقهر والخوف تتحقق فيها تنمية إنسانية شاملة وعدالة اجتماعية كاملة وتكافل إنسانى عميق مجتمع يحارب الفقر والجهل والمرض والرذيلة ويجد فيها الجائع خبرة والمريض دواءه والقادر عمله, والمشرد مأواه والمحتاج كفايته والمظلوم عدالته والمكبوت حريته.
١٠- يهدف المشروع الإسلامى إلي توحيد أمة الإسلام, كما أراد لها الله تعالي وكما كانت في التاريخ وكما يوجبه منطق العصر في ضرورة التكتلات الكبرى ولكنه يؤمن سنة التدرج ويرى أن وحدة العرب وتحررهم وعزتهم مقدمة ضرورية لوحدة الأمة الإسلامية عزتها فالعروبة وعاء الإسلام والعربية لسانه والعرب هم عصبة الإسلام, ,حملة رسالته الأولون وفي ألثر: إذا ذل العرب ذل الإسلام.
١١- يبدأ المشروع بإصلاح الفرد وبنائه بناء متكاملا: روحيا بالعبادة وعقليا بالثقافة, وجسميا بالرياضة, وخلقيا بالفضيلة مع التركيز علي التغيير النفسى والعقلي فهو أساس كل تغيير (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) (الرعد:١١) ثم بناء البيت المسلم فالمجتمع المسلم فالأمة المسلمة في خطوات متدرجة, ومراحل مدروسة وفق سنن الله في خلقه بلا قفز علي الواقع ولا إنكار للعوائق والصعوبات.
١٢- يقوم المشروع الحضارى الإسلامى علي التوعية والتثقيف للجماهير وعلي التربية والتكوين للطلائع وعلي الكفاح السلمى والنضال الدستورى والتلاحم مع الشعب حتى تتغير الأمة بداخلها وتتحقق آمالها.
الإسلام الذي ندعو إليه:
وفي مناقشاتنا أو مناظراتنا مع العلمانيين في مصر, كانوا يقولون لنا إنكم تدعوننا إلي الإسلام ولكن لم نعرف بالضبط أى إسلام تدعوننا إليه؟ إنكم تدعوننا إلي (ضبابية) غائمة أو معتمة لا نرى فيها حاضرنا ولا مستقبلنا بوضوح ناصع.
إن الإسلام له صور عدة في بلاد تزعم أنها تطبقه هل تدعوننا إلي إسلام إيران وإسلام باكستان أو إسلام السودان أو إسلام السعودية... الخ؟
وأحيانا ينسبون هذا الإسلام إلي أشخاص القائمين علي هذه البلدان الإسلامية, فيقولون: تدعونا إلي إسلام الخميينى أم إسلام ضياء الحق, أم إسلام النميرى..الخ
والحق أننا لا ندعو إلي إسلام مقيد ببلد أو بشخص أو بمذهب, أو بعصر نحن ندعو إلي إسلام القرآن والسنة موصولا بالواقع, مربوطا بالزمان والمكان والإنسان, مشروحا بلغة العصر مفتوحا للتجديد والاجتهاد من أهله في محله مستلهما للماضى, معايشا للحاضر مستشرقا للمستقبل, جامعا بين الأصالة والمعاصرة محافظا في الأهداف متطورا في الوسائل ثابتا في الكليات مرنا في الجزئيات مشددا في الأصول, ميسرا في الفروع رابطا بين النصوص الجزئية والمقاصد الكلية منتفعا بكل قديم صالح مرحبا بكل جديد نافع. موفقا بين النقل الصحيح والعقل الصريح , ملتمسا الحكمة من أى وعاء خرجت, ومستفيدا العلوم من أى جهة جاءت في غير تعصب لرأى قديم ولا عبودية لفكر جديد.
ولم نكتف بهذا الإجمال بل قدمنا معالم للإسلام الذي ندعو إليه في عشرين أصلا, نبين الملامح ونضع النقاط علي الحروف ويمكن للقارىء أن يطلع علي هذه المعالم العشرين للإسلام الذي ندعو إليه في كتابنا (الإسلام والعلمانية وجها لوجه) .
وفي دراستنا هذه قد وضحت مواقف الإخوان من جملة من القضايا المهمة والكبيرة من خلال رسائل الأستاذ البنا وتراث الإخوان مثل: موقف الإخوان من استخدام القوة وموقفهم من الحكم, ومن الدستور ومن القانون ومن الأحزاب السياسية ومن الهيئات الإسلامية ومن الخلافات الدينية ومن الغربيين والحضارة الغربية وموقفهم من الوحدات الثلاث: الوحدة الوطنية (المصرية) والوحدة العربية والوحدة الإسلامية , وموقفهم من الخلافة وعودتها وأخيرا موقفهم من النزعة العالمية الإنسانية
لقد أزحنا الضباب الذي يتعمد البعض أن يلف به هذه القضايا وموقف الإخوان منها وبيناه من مصادره بما لا يدع مجالا للشك أو التشكيك.
ولابد لمن ير أن يستبين مشروع الإخوان للحضارة والنهضة بالأمة أن يراجع هذا الفصل تحت عنوان (وضوح المواقف) وهو المقوم السابع من مقومات الدعوة المكتملة والحركة الناجحة والجماعة الموفقة. هيكل والمشروع الحضارى الإسلامى:
الأستاذ محمد حسنين هيكل كاتب كبير في مجال السياسة ,ولا يختلف اثنان في عمقه ومقدرته علي الرصد والتحليل والتفسير ,استخلاص النتائج التي قلما يقدر عليها غيره وخصوصا في السياسة المصرية والعربية وإن كان هناك كثيرون يخالفونه فيما ينتهى إليه لسبب وآخر.
ولكنه إذا خاض في الجوانب الإسلامية لا يحلق كما يحلق في آفاق السياسة ولا يغوص ويتعمق كما يغوص ويتعمق في الجوانب السياسية داخلية وخارجية.
وهو لا يدعى أنه عالم بالإسلام أو خبير فيه, ولكنه قد يدخل في بعض الجوانب المتعلقة بالإسلام من قريب أو من بعيد, ويبدى فيها رايه فيصيب أحيانا أو يخطىء أحيانا في اجتهاداته, وكل ميسر لما خلق له.
ومن ذلك: ما ذكره لجريدة (السفير) اللبنانية – في الصيف الفائت ١٩٩٨ – خاصا بالتيار الإسلامى " فهو لا يرى هذا التيار يصلح لشئ إلا للمقاومة , ولا يقوم غيره مقامه في هذه الناحية وهو قد أنصف التيار الإسلامى في ذلك, ولكنه بخسه حقه في الجوانب الأخرى ويبدو من سيرة الأستاذ هيكل: أنه ليس لديه وقت يفرغه لمتابعة التراث الفكرى الضخم للتيار الإسلامى في شتى مجالات الحياة: الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية والدينية.
ومما عجبت له ما قاله في حواره هذا لصحيفة (السفير) : أنه لقى الشيخ حسن البنا وأنه وجده رجلا طيبا وظريفا جدا! ولكن لم يكن لديه مشروع يقدمه للناس!
هل كان حسن البنا غير ذى مشروع؟
أحسب أن الأستاذ هيكلا ظلم الأستاذ البنا بهذا الحكم الذي ذكره وأحسب أنه لم يفهم الشيخ البنا أو أنه لم يسبر أغواره ولم يقرأ فكره , كما ينبغي, قبل أن يحكم عليه هذا الحكم الجائر القاسى. علماء المنطق يقولون: الحكم علي الشئ فرع عن تصوره وأظن (هيكلا) لم يتصور (البنا) تماما, وربما كان عذره أنه كان في ذلك الوقت شابا في مقتبل العمر ولم يجشم نفسه عناء البحث في دعوة البنا ومشروعه.
والواقع أن حسن البنا كان لديه (مشروع) واضح في ذهنه, راسخ في وجدانه مستقر في أعماقه اتضحت له أهدافه واتضحت له وسائله ومناهجه وجهده ونفسه وجماعته فكان يعرف ماذا يريد؟ وكيف يصل إل ما يريد وبمن يصل إلي ما يريد؟
وقد تحدثنا في القسم الأول من هذا الكتاب عن دعوة البنا, واكتمال مقوماتها ومن ذلك وضوح أهدافها ووضوح وسائلها ووضوح مواقفها من القضايا الكبيرة.
كان البنا يعرف عن خصائص مشروعة: أنه (إسلامى بحت) في غاياته وفي وسائله , وفي أسسه ومنطلقاته, فهو يعتمد الإسلام مصدرا أول وأوحد لمشروعه. ولكنه (الإسلام الصحيح) كما سماه الأديب الفلسطينى إسعاف التشاشينى أو (الإسلام الأول) كما سماه حسن البنا نفسه, إسلام الرسول وأصحابه قبل أن تشوبه الشوائب, وتلحق به الزوائد ورواسب القرون, مفرغا في قالب يلائم العصر ويواكب التطور ويفتح باب (الاجتهاد) لعلاج مشاكل الحياة بطب الإسلام ووسطية الإسلام.
وإذا كان الإسلام هو المعيار, وهو المرجع الأعلي , فلا أظن أن هناك من يتهم حسن البنا بعدم فهم الإسلام أو أنه يفهمه علي غير وجهه الصحيح , أو يفهمه فهما يناقض منطق العصر في التقدم الحضارى والرقى العمرانى, علي أساس من النهوض العلمى, والنمو الاقتصادي والاجتماعي.
فالحقيقة أن منطق العصر هذا هو منطق الإسلام ,والمنهج العلمى أو التجريبى الذي نهض الغرب علي ركائزه هو منهج اقتبسه أصلا من الحضارة العربية الإسلامية, كما شهد بذلك مؤرخو العلم الغربيون من أمثال بريفولت لوبون وجورج سارتون.
ومن قرأ الأستاذ البنا – علي صغر حجمها – وجد فيها معالم مشروع شامل متكامل متوزان للنهضة والتقدم والبناء يمزج المادى بالروح ويوفق بين العقل والقلب ويقرن بين المثالية والواقعية , كما يجمع بين الدين والدنيا يوازن بين حقوق الفرد ومصلحة المجتمع. وبين النظرة القومية والنظرة الإسلامية والنظرية العالمية.