علي أن المكتبة الإسلامية الآن حافلة بأعمال كبيرة وتفصيلات جمة للمشروع الإسلامى, ولكن الأستاذ هيكل وأمثاله لا يتنازلون ليقرأوا ما كتبه الإسلاميون.
٦- الإخوان والعقيدة
العلمونيون يتهمون الإخوان بأنهم مسلمون متعصبون لعقيدتهم متصلبون في إيمانهم متشددون في نظرتهم إلي الطوائف الأخرى.
وبعض الفصائل الأخرى من الإسلاميين – مثل بعض السلفيين والتحرريين – يتهمون الإخوان بأنهم متهاونون في أمر العقيدة كما في قضية الأولياء والقبور, وقضية التوسل بالنبى صلي الله عليه وسلم والملائكة وأولياء الله الصالحين وقضية الآيات والأحاديث التي يطلق عليها: آيات الصفات ,وأحاديث الصفات فهم في هذا من الأشاعرة وليسوا من أهل السنة! وكذلك قضية الولاء والبراء فهم يتهمون الإخوان بأنهم لا يبرأون من الكفار ومن اليهود والنصارى وغيرهم ويقولون عنهم: هم إخواننا ولا أخوة بين مسلم وكافر. وهم يؤولون النصوص القطعية – فهم في نظر المدعين – التي تطالب بقتال هؤلاء وأخذ الجزية منهم وهم لا يكفرون الحكام الذين لا يحكمون شرع الله تعالي في جوانب الحياة كلها: اجتماعية واقتصادية وسياسية مخالفين لما نطق به القرآن بل تقول هؤلاء إن العقيدة لا تأخذ في فكر الإخوان حيزا كافيا ولا في أدبياتهم مكانا يليق بها.
إلي غير ذلك من التهم التي يلصقها هؤلاء بالإخوان وهى تهم لا تقف علي رجلين سليمتين ولا تستند إلي برهان بين أو إلي فقه صحيح.
ولا أدل علي تهافت هذه الاتهامات من تناقضها فيما بينها فتهم العلمانيين يرد عليها تهم المتشددين والعكس بالعكس.
وسنلقى شيئا من الضوء علي ذلك فيما يلي:
العقيدة أس البناء:
إن العقيدة في فكر الإخوان وفي دعوتهم هى: راس الأمر وأس البناء وروح الإسلام.
فالإسلام عقيدة تقوم علي أساسها شريعة تتفرع عنها أخلاق وأعمال وينبثق منها مجتمع تحكمه دولة.
والإخوان مؤمنون كل الإيمان بعقيدة الإسلام ولكنهم غير متعصبين ضد مخالفيهم إلا إذا اعتبر الاعتزاز بالعقيدة والحماس لها والثقة بتفوقها , واليقين بنصر الله إياها: تعصبا فهم حينئذ أول المتعصبين.
والعقيدة يعبر عنها في القرآن والسنة باسم (الإيمان) والشريعة والعبادة والأخلاق يعبر عنها باسم (العمل) ولا يقبل عمل بلا إيمان. كما لا ينفع إيمان بلا عمل.
وقد ركز الإمام البنا منذ فجر دعوته علي بناء الإيمان لدى الدعوة, اقتداء بما فعله رسول الله صلي الله عليه وسلم الذي ظل ثلاثة عشر عاما في العهد المكى يغرس فيها – قبل كل شئ – أصول الإيمان وحقائق التوحيد وعبادة اله وحده واجتناب الطاغوت كما يغرس في النفوس والعقول أصول الفضائل ومكارم الأخلاق. وكانت (دار الأرقم) في مكة هى معهد التربية الأول ولغرس الإيمان وتثبيته في الرعيل الأول من المسلمين.
كان من (الشعارات) التي تجمل دعوة الإخوان في كلمات (الله غايتنا والقرآن شرعتنا, والرسول قدوتنا, والجهاد سبيلنا) .. ,:أن الهتاف الإخوان المحبب: (الله أكبر. ولله الحمد) حيث كان الناس يهتفون بحياة الزعماء والملوك وكانت صيحاتهم الجهيرة تقول (لا إله إلا اللهو محمد رسول الله عليها نحيا وعليها نموت وفي سبيلها نجاهد حتى نلقى الله) .
وكانت مناهج التربية في جماعة الإخوان تقوم علي أن الإيمان هو الركن الركين والحصن الحصين, وأن (الجانب الربانى) في التربية مقدم علي كل الجوانب وهو أصلها الأصيل وأن رضوان الله تعالي هو (غاية الغايات) فإذا كان من غايات الإخوان إقامة مجتمع الأمة الإسلامية أو غير ذلك من الأهداف والغايات فإن الغاية القصوى من وراء ذلك كله: ابتغاء رضوان الله تبارك وتعالي, وهذا معنى (الله غايتنا) .
وقد كتب الأستاذ البنا – وهو ابن ست وعشرين سنة – رسالة مركزة وميسرة في (العقائد) وأشار في كثير من رسائله ومقالاته إلي أهمية العقيدة ودورها وفي محاضراته التي عرفت باسم (أحاديث الثلاثاء) ركز علي هذا الجانب. وحينما أصدر مجلته الشهرية (الشهاب) لتخلف مجلة (المنار) في تثقيف الآمة وتوجهها كان من أبرز الأبواب فيها: (الله) وهو بحث في عقيدة الألوهية والتوحيد.
ولا يكاد يوجد كاتب من كتاب الإخوان إلا وكتب عن العقيدة: الشيخ الغزالي كتب (عقيدة المسلم) و (ركائز الإيمان بين العقل والقلب) وغيرهما والشيخ سيد سابق (العقائد الإسلامية) والشهيد سيد قطب (خصائص التصور الإسلامى) و (مقومات التصور الإسلامى) والشيخ سعيد حوا (الله) و (الرسول) في عدة أجزاء. والشيخ عبد المنعم تعليب (العقائد في القرآن) في عدة أجزاء والدكتور عمر الأشقر عن العقيدة في عدة أجزاء والشيخ عبد المجيد الزنداني (بناء الإيمان) والدكتور محمد نعيم ياسين عن (الإيمان) وأركانه, والفقير إليه تعالي (الإيمان والحياة) و (وجود الله) و (حقيقى التوحيد) إلي ما ذكر في الكتب الأخرى.
وهناك كتب كثيرة أخرى غير مباشرة تتحدث عن العقيدة والإيمان , مثل كتب التفسير والحديث والدعوة والتربية والسلوك. فكلها مشحونة ببناء الإيمان وتجديد الإيمان وتثبيت الإيمان.
يعتمد الإخوان في عرض العقيدة وشرحها علي دعامتين:
الأولي: النصوص النقلية من القرآن الكريم والحديث الصحيح, ولا سيما القرآن. فهو الينبوع الأول للعقيدة, وصحيح السنة هى البيان والتفسير.
والثانية: البراهين العقلية والعلمية, التي لفت إليها القرآن بقوة, والتي أمدنا فيها العلم الحديث بذخيرة هائلة تقمع لماديين وتفحم الملاحدة والمشككين والداعية الموفق هو الذي يجمع بين النقل والعقل في عرض العقيدة وبناء الإيمان وهو منهج القرآن.
كيف يقدم الإخوان العقيدة
لا يريد الإخوان من تقديم العقيدة وشرحها: أن تكون كلمات تحفظ وتردد, وى مجادلات مع الآخرين دون أن يكون لها اثر في حياة أصحابها بحيث يقتنع بها عقله ويطمئن بها قلبه وينفعل بها وجدانه وتتحرك بها إرادته.
إن القرآن الكريم حين عرض لنا إيمان جسده في أخلاق وأعمال باطنة وظاهرة إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلي ربهم يتوكلون. الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون أولئك هم المؤمنون حقا
وكذلك أوائل سورة المؤمنين قد افلح المؤمنون. الذين هم في صلاتهم خاشعون. والذين هم عن اللغو معرضون. والذين هم للزكاة فاعلون. والذين هم لفروجهم حافظون.)
يرفض الإخوان الشركيات والخرافات والأباطيل التي ألصقت بعقيدة التوحيد مثل ما يفعل كثير من العوام في كثير من بلاد المسلمين ويبرره لهم بعض الخواص, من الطواف بقبور الصالحين والنذر لها, ودعاء أصحابها والإستغاثة بهم وغير ذلك من المنكرات.
وقد بين الأستاذ البنا في (أصوله العشرين) برغم وجازتها وتركيزها: أن هذه الأعمال من المنكرات والكبائر التي يجب محاربتها.
يقول رحمه الله:
" وكل بدعة في دين الله لا أصل لها استحسنها الناس بأهوائهم – سواء بالزيادة فيه أو بالنقص منه ضلالة تجب محاربتها والقضاء عليها بأفضل الوسائل التي لا تؤدى إلي ما هو شر منها (ولا شك البدعة تشمل ك البدعة الاعتقادية كما تشمل البدعة العملية) .
ومحبة الصالحين واحترامهم والثناء عليهم بما عرف من طيب أعمالهم: قربة إلي الله تبارك وتعالي, والأولياء هم المذكورون في قوله تعالي (الذين آمنوا وكانوا يتقون) (يونس ٦٣) والكرامة ثابتة لهم بشرائطها الشرعية مع اعتقاد أنهم رضوان الله عليهم لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا في حياتهم أو بعد مماتهم فضلا عن أن يهبوا شيئا من ذلك لغيرهم.