وزيارة القبور أيا كانت: سنة مشروعة بالكيفية المأثورة ولكن الإستعانة بالمقبورين أياما نوا ونداءهم لذلك, وطلب قضاء الحاجات منهم عن قرب أو بعد والنذر لهم وتشييد القبور وسترها وإضاءتها والتمسح بها والحلف بغير الله وما يلحق بذلك من المبتدعات: كبائر تجب محاربتها ولا نتأول لهذه الأعمال سدا للذريعة.
والدعاء إذا قرن بالتوسل إلي الله بأحد من خلقه خلاف فرعى في كيفية الدعاء وليس من مسائل العقيدة. والعقيدة أساس العمل وعمل القلب أهم من عمل الجارحة وتحصيل الكمال في كليهما مطلوب شرعا وإن اختلفت مرتبتا الطلب. انتهى.
قضية التوسل:
وأما قضية التوسل بالرسول صلي الله عليه وسلم والأنبياء والملائكة والصالحين من عباد الله فقد ذكر الأستاذ البنا: أن هذا من الأمور الخلافية بين الأئمة وأنه خلاف في كيفية الدعاء وليس من مسائل العقيدة.
وقد أنكر إخواننا السلفيون علي الأستاذ البنا هذا القول, واشتد نكيرهم عليه وعلا صوتهم في معارضته والتشنيع علي قائله ولا أدرى لهم هذا كله؟
ولم يقل الرجل شيئا يستوجب الطعن أو التشنيع.
أولا: لأن الأمر خلافي بالفعل ومن قرأ كتب المذاهب المتبوعة من الحنفية والمالكية والشافعية بل حتى الحنابلة: وجد هذا واضحا فالكثيرون أجازوا التوسل بالرسول وبالصالحين من عباد الله.
وهناك من كره التوسل, وهناك من منعه.
ولكل فريق من هؤلاء أدلته أو شبهاته – علي الأقل – في تأييد ما ذهب إليه وللمخالفين ردودهم عليه كما هو الشأن في المسائل الخلافية.
وهناك دليل قوى لمن قالوا بالتوسل وهو حديث عثمان بن حنيف وقد صححه الشيخ الألباني وهو من منكر التوسل , وإن وجهة أخرى هى في نظرى أقوى وأحرى وهو هذا الحديث:
أخرج أحمد وغيره بسند صحيح عن عثمان بن حنيف أن رجلا ضرير البصر أتى النبى صلي الله عليه وسلم فقال: ادع الله أن يعافينى قال: إن شئت دعوت لك, وإن شئت أخرت ذاك فهو خير (وفي رواية: وإن شئت صبرت فهو خير لك) فقال: ادعه. فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه فيصلي ركعتين ويدعو بهذا الدعاء: اللهم إنى أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبى الرحمة يا محمد إنى توجهت بك إلي ربى في حاجتى هذه فتقضى لي, اللهم فشفعه في (وشفعنى فيه) قال ففعل الرجل , فبرأ.
يرى الكثثيرون: أن هذا الحديث يدل علي جواز التوسل في الدعاء بجاه النبى صلي الله عليه وسلم وقد فعل الأعمى فعاد بصيرا.
أما الشيخ الألباني فقال:
(وأما نحن فنرى أن هذا الحديث لا حجة لهم فيه علي التوسل المختلف فيه, وهو التوسل بالذات بل هو دليل آخر علي النوع الثالث من أنواع التوسل المشروع الذي أسلفناه لأن توسل العمى إنما كان بدعائه.
والأدلة علي ما نقول من الحديث نفسه كثيرة) أ. هـ وقد فصلها في كتابه (التوسل وأنواعه وأحكامه) فليرجع إليه.
وثانيا: لأن التوسل يتعلق بالعمل ولا يتعلق بالعقيدة فهو من بحوث علم الفقه لا من بحوث علم التوحيد.
أما إن التوسل من مسائل العلم, وليس من مسائل العقيدة, فهذا توجيه صحيح لأنه خلاف في كيفية الدعاء, ما دام المدعو والمتوسل هو الله تبارك وتعالي.
لكن بقى البحث في مشروعيته هل يقال: أتوسلك إليك بنبيك محمد أو بملائكتك المقربين أو بعبادك الصالحين او لا يجوز؟ فهذا بحث فقهى وليس يبحث عقدى.
وليس الإمام البنا هو أول من قال فذلك بل قال به الإمام محمد بن عبد الوهاب نفسه كما نقل في مجموع فتاويه. حيث قال في المسألة لعاشرة (قولهم في الاستسقاء: لا بأس بالتوسل بالصالحين وقول أحمد يتوسل بالنبى صلي الله عليه وسلم وأكثر العلماء بنهى عن ذلك ويكرونه فهذه المسألة وبعضهم من مسائل الفقه. ولو كان الصواب عندنا قول الجمهور أنه مكروه فلا ننكر علي من فعله)
فقد تضمن كلام الشيخ أن التوسل بالصالحين أو بالنبى صلي الله عليه وسلم هو موضع خلاف بين العلماء وإن هو صوب قول الجمهور أنه مكروه وأن هذه المسألة من مسائل الفقه وهذا عين ما قرره البنا فلا رجعة وللإنكار عليه.
وقال به أيضا المحدث السلفي الشهير الشيخ ناصر الدين الألباني في مقدمته لشرح العقيدة الطحاوية لابن أبى العز الحنفي فقد تحدث عن سبع مسائل هامة.
قال: كلها في العقيدة إلا الأخيرة منها. يعنى بالأخيرة: ما قاله شارح الطحاوية من كراهية التوسل بحق الأنبياء وجاههم تبعا لإماممة أبى حنيفة.
ولأن موضوع التوسل فقهى لا عقدة تكلمت عنه جميع كتب المذاهب الفقهية علي اختلاف أحكامها فيه ودخل الموسوعات الفقهية, باعتباره من المسائل الفروعية العملية, التي تدخل في إطار البحث الفقهي.
وهناك الكثيروين من لامستقلين عن المذاهب قالوا بإجازة التوسل منهم الإمام الشوكانى – وهو سلفي معروف – في كتابه (تحفة الذاكرين) شرح (الحصن الحصين) وعناك غيره من القدامى والمحدثين ومنهم من أجاز التوسل وحده ولم يجز التوسل بغيره من الأنبياء والصالحين كما هو رأى الإمام عز الدين بن عبد السلام.
والخلاف في المسالة ظاهر يمكنك أن تراجعه في بحث (التوسل) في الموسوعة الفقهية الكويتية في الجزء الرابع عشر وبهذا يتضح لنا سلامة ما قاله الشيخ البنابميزان العلم والتحقيق.
وأنا شخصيا أميل إلي ترجيح عدم التوسل بذات النبى وبالصالحين.
وأتنبى رأى شيخ الإسلام ابن تيمية في ذلك لعدو أمور:
الأول: أن أدلة المنع – أعنى منع التوسل بذات النبى وذوات الصالحين – أرجح في الميزان العلمى. وخصوصا أن باب الله تعالي مفتوح لكل خلقه, وليس عليه حاجب ولا بواب, مثل أبواب الملوك والأمراء حتى العصاة فتح الله تعالي لهم أبواب رحمته ونسبهم إلي ذاته فقال تعالي: (قل يا عبادى الذين أسرفوا علي أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله) الزمر: ٥٢
والثانى: إن إجازة التوسل قد تكون ذريعة إلي دعاء غير الله تعالي والإستغاثة به وكثير من الناس يخلط بين الأمرين فسد الذريعة بالنظر إلي العوام أولي.
والثالث: أن المنهج الذي أخذته وسرت عليه في التعليم والدعوة والفتوى: أننا إذا أستطعنا أن نتعبد لله تعالي بالأمر المتفق عليه فلا داعى لأن ندخل في الأمر المختلف فيه.
وعلي هذا الأساس لا أفضل التعبد بصلاة التسابيح لأن في الصلوات الأخرى المتفق عليها والتي تواتر عن رسول الله التعبد بها ما يغنى عنها.
ولكنى لا أوثم من أداة اجتهاده إلي جواز التوسل أو جواز التعبد بصلاة التسابيح ونحوها ولا أنكر عليه إلا من باب الإرشاد إلي الأرجح والأفضل إذا لا إنكار في المسائل الخلافية كما هو معلوم.
وشيخ الإسلام ابن تيمية وإن أنكر التوسل بالذات لم يشتد في نكيره إلي حد التكفير أو التأثيم كما يفعل بعض من يدعون الانتساب إلي مدرسته. وقد قال في (فتاويه) بعد أن ذكر الخلاف في المسألة:“ ولم أحد: إن من قال بالقول الأول فقد كفر. ولا وجه لتكفيره فإن هذه مسألة خفية ليست أدلتها جلية ظاهرة والكفر إنما عليها ونحو ذلك.. بل المكفر بمثل هذه الأمور يستحق من تغليظ العقوبة والتعزير ما يستحق أمثاله من المفترين علي الدين لا سيما مع قول النبى:” أيما رجل قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما"
قضية الولاء والبراء:
وأما قضية الولاء والبراء فالإخوان كانوا أسبق الجماعات إلي تقريرها فهم يوالون كل من والي الله ورسوله وجماعة المؤمنين كما قال تعالي:" (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون) المائدة: ٥٥ ,٥٦
وهم يعادون كل من عادى الله ورسوله والمؤمنين: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوى وعدوكم أولياء) الممتحنة:١
ويؤكد الأستاذ البنا في رسائله علي هذه القضية فأوثق عرى الإيمان: الحب في الله والبغض في الله وهل الإيمان إلا الحب والبغض؟
وفي رسالة التعاليم في ركن (التجرد) يقول ك أريد بالتجرد: أن تتخلص لفكرتنا مما سواها من المبادئ والأشخاص ولأنها أسمى الفكر وأجمعها وأعلاها صبغة الله ومن أحسن من اله صبغة البقرة ١٣٨ (قد كانت لكم أسوة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم وما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده) الممتحنة:٤) والناس عند الأخ الصادق واحد من ستة أصناف: مسلم مجاهد أو مسلم قاعد, أو مسلم آثم, أو ذمى معاهد, أو محايد, أو محارب, ولكل حكمه في ميزان الإسلام وفي حدود هذه الأقسام نوزن الأشخاص والهيئات ويكون الولاء والعداء) هـ.
لا أحسب عالما أو منصفا يتهم صاحب هذا الكلام بأنه لا يعرف الولاء والبراء أو المولاة والمعاداة في الله بل لقد ربى جيلا يحب في الله ويبغض في الله ويوالي في الله ويعادى في الله.
والإخوان كانوا أشد الناس علي المستعمرين والصهاينة الذين احتلوا ديار المسلمين وهم الذين قادوا الجهاد وحركوه في ديار الإسلام لمقاومة هؤلاء فلا يتصور أن يتهموا بدعوى الولاء لهم.
أخوة المواطنين من غير المسلمين: