ونزل القرآن يؤيد المسلمين فى الآيات الأولى من سورة الروم الم. غلبت الروم. فى أدنى ألأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون فى بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله
ومن قرأ السنة النبوية وجد فيها ذلك بتفصيل أكثر كما وجد ذلك واضحا فى سيرة الرسول (عليه الصلاة والسلام) العملية فقد كان هو الإمام الأعظم كما كان القاضي الحكم والمفتى الأعلم على حد تعبير الإمام القرافى رحمه الله.
و (الإمام الأعظم) يعنى الرئيس الأعلى للدولة وقد كان هو ذلك بلا نزاع فلم يكن بجواره ملك أو أمير يدير أمور السياسة على حين يتفرغ هو لشؤون الدين والدعوة بل كانت الدعوة والدولة فى يديه كان هو الذى يؤم الناس فى الصلاة ويقودهم فى الحرب وفى السلم, ويعقد المعاهدات ويلقى الوفود ويعين الولاة والقضاء والمعلمين ويبعثهم إلى البلاد التى دخلت فى الإسلام.
ومن المعروف فى فقه السياسة الشرعية: أن هناك نوعا من التصرفات النبوية يطلق عليها الفقهاء أنها (تصرف بمقتضى الإمامة) أى بمقتضى الرئاسة العليا للدولة.
وهذه ليست مثل التصرفات التى تكون بمقتضى التبليغ عن الله تعالى وهذه كما قالوا فى حديث “ من أحيا أرضا ميتة فهى له” إذ قال أبو حنيفة ومن وافقه. هذا قاله بمقتضى إمامته, فلا يملك أحد أرضا أحياها إلا بإذن الإمام.
وقرر الفقهاء من جميع المذاهب أن الشريعة حاكمة على جميع أفعال الكلفين لا يخرج فعل منها – فى أى مجال كان – عن دائرة الشريعة إذ لابد أن تعطيه حكما من الأحكام الشرعية الخمسة المعروفة.
والقرآن يؤكد هذه الشمولية حين يقول خطابا للرسول (ونزلنا عليك الكتاب تبانا لكل شئ وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين)
ويقول فى ختام سورة يوسف (لقد كان فى قصصهم عبرة لأولى الألباب ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شئ وهدى ورحمة لقوم يؤمنون)
حتى قال ابن عباس ترجمان القرآن: لو ضاع منى عقال بعير لوجدته فى كتاب الله!
فإذا كان الإنجيل يقول:" (دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله) فإن القرآن يجعل قيصرا وما لقيصر لله الواحد الأحد (قل الأمر كله لله) فلله ما فى السموات وما فى الأرض ومن فى السماوات ومن فى الأرض وهو الحاكم عليهم ومن واجبهم أن يطيعوه طاعة مطلقة تمثل عبوديتهم له وانقيادهم لأمره.
ولقد قرر الأصوليون: أن (الدين) هو إحدى الضروريات الخمس أو الست التى قام عليها بنيان التكاليف الشرعية وهى: الدين والنفس والنسل والعقل والمال.. وزاد بعضهم: العرض.
فالذين يريدون أن يحصروا الإسلام فى (الدين) وحده ينسون هذه الحقيقى التى اجمع عليها الأصوليون.
إن (شمولية الإسلام) ليست من ابتداع الإخوان بل هى ما قرره القرآن والسنة وأجمعت عليه الأمة, وتأسست عليها ثقافة وحضارة وامتد به تاريخ وتراث.
وكل المصلحين الكبار الذين سطعت نجومهم فى آفاق الأمة, حاولوا النهوض بها فى العصر الحديث, كلهم أدخلوا السياسة فى الدين والدين فى السياسة: محمد عبد الوهاب, والسنوسي والمهدي والأمير عبد القادر والأفغاني , والكواكبى , ومحمد عبده, ورشيد رضا وابن باديس, وغيرهم كلهم نظروا إلى الإسلام تلك النظرة الشاملة التى لا تفرق بين دين وسياسة فم جميعا مشتركون فى (تسييس الدين)
فليس حسن البنا بدعا فى المصلحين , ولا دعوته فى دعوات الإصلاح والتجديد.
والحاكم الذى أعلن أن لا السياسة
سياسة فى الدين, ولا دين فى السياسة, كثيرا رأيناه وسمعناه, يتحدث باسم الدين, تأييدا لسياسته, ويطلب من علماء الدين إصدار الفتاوى تبريرا لموقفه.
والملتزمون بالإسلام شأنهم شأن سائر المواطنين, من حقهم أن يمارسوا السياسة وفق معتقداتهم ومفاهيمهم, ولا يحوز أن يحرموا منها لمجرد أنهم متدينون.
إن المسلم يستطيع أن يدخل فى أعماق السياسة وهو مستغرق فى عبادته لربه, وهذا ما نشاهده فيما يسمى (قنوت النوازل) فيجوز للمسلم أن يدعو فى صلاته على الصهاينة المعتدين على فلسطين, وعلى الصرب المعتدين على البوسنة والهرسك وكوسوفا أو على غيرهم ممن يعتدى على حرمات المسلمين. كما أن المسلم يمكنه أن يقرأ نم القرآن ما يشتمل على آيات فى ميادين الحياة المختلفة كالجهاد وإقامة العدل , والحكم بما أنزل الله وغيرها ولا يستطيع أحد أن يعترض عليه فى قليل أو كثير.
وبهذا تسقط تهمة (تسييس الدين) عن الإخوان كما تسقط غيرها من التهم (وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا)
٢- الإخوان وخط المدرسة الإصلاحية
ومن التهم العجيبة التى وجهت إلى الإخوان من بعض المستغلين بالفكر أنهم خرجوا عن خط مدرسة الإصلاح والتجديد الإسلامية, التى مثلها جمال الدين الأفغانى ومحمد عبده ورشيد رضا وكانت تمثل العقلانية الإسلامية المتفتحة على العصر التى لا تقف عند حرفية النصوص ولكن تعمل فيها التأويل فتوازن النص والمصلحة, او بين النقل والعقل, أو بين الشريعة والحكمة كما عبر ابن رشد.
والحق أن الإخوان لن يخرجوا عن خط هذه المدرسة فى الإصلاح والتجديد , والتوفيق صحيح المنقول وصريح المعقول والموازنة بين النصوص الجزئية والقاصد الكلية للشريعة مستفيدين من كل قديم نافع ومرحبين بكل جديد صالح.
ولكن ينبغى أن نلاحظ: أن هذه المدرسة الإصلاحية قد تطورت فى تفكيرها ومفاهيمها وتوجهاتها, فكانت فى أول أمرها تدعو إلى فلسفة عامة تتلخص فى الثورة على الاستعمار وأعوانه من طغاة الحكام, وعلى تفرق الكلمة الذى مزق الأمة الواحدة, ولهذا كان عنوان هذه المدرسة أو شعارها فى مرحلتها الأولى (الجامعي الإسلامية) .
وكان هذه مناسبا للرجل الأول فى هذه المدرسة وهو جمال الدين الأفغاني الذى كان أقرب إلى الفيلسوف أو رجل الحكمة والسياسة منه إلى عالم الشريعة.