المسجد الثاني هل له العود إلى الأول أم يبقى على اعتكافه في المسجد الثاني فالأصح على القياس أنه لا يعود إذا لم يكن في اللبث ويحتمل أن يقال: أن له العود.
مسألة: قال (1): وَلاَ بَأس أَن يَشتَرِي وَيَبِيعَ.
الفصل
وهذا كما قال: المستحب لكل من في المسجد أن لا يشتغل إلا بذكر الله تعالى والصلاة لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً ينشد ضالة في المسجد فقال: لا وجدتها إنما بنيت المساجد لذكر الله والصلاة" (2) , والمستحب لكل من يلبث بعبادة أن يشتغل بها ولا يعرض عنها إلى غيرها فالمعتكف يستحب أن يكون عليه السكينة والوقار ويشتغل بالطاعات من الصلاة وقراءة القرآن والدعاء والنظر في العلم ومذاكرة العلماء, فإنه أفضل من صلاة التطوع نص عليه في البويطي ويتكلم 369 أ/4 المعتكف في العلم وبكتبه فجعل كتابه العلم في المسجد بمنزلة المذاكرة.
وقال أحمد: لا يستحب له قراءة القرآن وتعليمه ويدرس العلم بل يشتغل بذكر الله عز وجل والتسبيح والصلاة, واحتج بأنه عبادة يشرع لها في المسجد فلا يستحب فيها إقراء القرآن وتدريس العلم بالصلاة, وروي عن أحمد مثل قولنا, وقال مالك: تكره له مذاكرة العلماء وهذا غلط, لأن المذاكرة بالعلم قربة وقد قال تعالى: {بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} النور: 36 , وقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلم الأحكام في اعتكافه ويجبهم عن الأسئلة.
وأما الصلاة فقد شرع فيها أذكار مخصوصة وخشوع واشتغاله بذلك يقطعه, وفي الطواف لا يمكنه إقراء القرآن ودراسة العلم وشرع فيه ذكر مخصوص بخلاف هذا, فافترقا وقيل: لا يكره التعليم في الطواف كما في الاعتكاف, وأما البيع والشراء والخياطة فلا تبطل للاعتكاف لأن ما لا يبطل الصوم لا يبطل الاعتكاف في المسجد كالصوم, وقال في البويطي يكره له البيع والشراء في المسجد فإن 369 ب/4 باع معتكف أو غيره كرهت له ذلك لهما والبيع جائز وهذه الكراهة لأجل المسجد دون الاعتكاف والكراهة هي كراهية تحريم لا تنزيه وإنما كرهنا لما ذكرنا من الخبر, وقال في "الأم" والقديم: لا بأس به, وقال في القديم: ولا يكثر التجارة لئلا يخرج عن حد الاعتكاف فالمسألة على قولين.
أحدهما: يكره لما روي عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهي عن البيع والشراء في المسجد" (3).
والثاني: لا يكره لأنه كلام مباح كالحديث, والأول اصح.