وقوله: لا بأس به أي: لا يؤثر في اعتكافه إلا أنه لا يكره, فإن كان محتاجًا إلى شراء قوته أو لقريبه لا يكره, وكذلك عن خاط ثوبه الذي يحتاج إلى لبسه لا يكره, وإن كان كثيرًا فتركه أولى, وحكي عن مسروق أنه رأى رجلين يتساومان في المسجد شيئًا فحضهما وقال: أخرجا إلى سوق الدنيا فإن هذا سوق الآخرة, وقال بعض أصحابنا: إن كان البيع والشراء يسيرًا لا يكره, وإن كان كثيرًا فقولان وقال مالك: من شرط
... (1) ويخالف عادته الاعتكاف فإن لم تكن حرفته 370 أ/ 4 فلا بأس أن يخيط فيه شيئا وهذا غلط, لأن الاعتكاف هو اللبث في المسجد وقد حصل ذلك مع هذا ولا يخالف العادة حصلت بالانتقال من حانوته إلى المسجد, ولا يقدح في الحج أن تقترن به التجارة الدائمة فلا يقدح في الاعتكاف أن تقارنه الحرفة الدائمة, ثم قال: ويحدث بما أحب فيجوز منه محادثة الإخوان لما روت صفية زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم متعكفًا فأتيت ليلاً أزوره فحدثته فلما انقلبت قام ليقلبني فإذا رجلان من الأنصار فلما رأيا رسول الله صلى الله عليه وسلم أسرعا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "على رسلكما إنها صفية بنت حُيي فقالا سبحان الله يا رسول الله, فقال: إن الشيطان يجزي من الإنسان مجرى الدم فخشيت أن يقذف في قلوبكما شراً" (2)؛ ولأن الاعتكاف والحديث لا يتنافيان فظاهر ما ذكره هل هنا أنه لا يكره, والأولى له تركه.
وقيل: يكره ذلك لما ذكرنا من الخبر ثم قال: ما لم يكن مأثمًا, وهذا النهي لا يختص بالاعتكاف لأنه في غير الاعتكاف مثله, وقال في "الأم" و "الجامع الكبير": لا بأس بأن يقص لأن القصص وعظ وتذكير, ويجوز أن يأمر بالأمر 370 ب/4 الخفيف في ماله وضيعته ولا يكثر منه فإنه مكروه, وحكي أن الشافعي قال في القديم: لو فعل ما ذكرنا من البيع والشراء المكروهين رأيت أن يستقبله لأنه صار قعوده للتجارة وهذا مرجوع عنه فلا يجعل قولاً آخر.
فرع
لا منع المعتكف من النوم في المسجد والاضطجاع والاستلقاء في غير حالة النوم لما روي عن عباد بن تميم عن عمه قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد مستلقيًا واضعًا إحدى رجليه على الأخرى".
مسألة: قال (3): وَلاَ يُفسِدُهُ وَلاَ جِدالٌ.
كما قال يكره له السباب والخصومة كما قلنا في الصائم ولا يبطل به الاعتكاف لأنه ليس من خصائص محظورات الاعتكاف كما لا يفسد به الصوم لأنه ليس من