روى أسامة بن زيد, قال: لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم وادي محسر حرك دابته. وقال العباس رضي الله عنه لما بلغ وادي محسر أوضع, والإيضاع: الإسراع. وهذا بخلاف أهل الجاهلية, فإنهم كانوا يقفون هناك. وروي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما أتى محسرًا أسرع, وقال:
تشكو إليك قلقًا وضينها مخالفًا دين النصارى دينها
معترضًا في بطنها جنينها (1)
مسألة: قال (2): فإذا أتى منى رمى جمرة العقبة بسبع حصيات.
الفَصلُ
القصد به بيان ما يلزمه أن يفعل إذا بلغ منى, ومنى ما بين العقبة وبطن محسر سهل ذلك وجبله مما أقبل على منى فأما ما أجبر من الجبال فليس من منى وليس بطن محسر, ولا العقبة من منى, فإذا وافى منى يستحبّ أن لا يعرج على شيء دون الرمي لأنه تحية منى كتحية المسجد, وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا فعل, 141/ أ وهذا الرمي من واجبات الحج, والمستحبّ أن يرمي راكبًا, لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينزل يومئذٍ حتى رمى راكبًا ولأنه راكبًا أمكن, وروى قدامة بن عبد الله الكلابي, قال: رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي الجمار على ناقة طرود ليس ضرب, ولا طرد, ولا إليك إليك (3).
وروى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم رمى الجمرة يوم النحر راكبًا, فإن قيل: أليس روى نافع عن ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رمى الجمار مشى إليه ذهابًا وراجعًا (4)،قيل: هذا خبر صحيح, ووجه الجمع أنه مشى في الأيام التي بعد يوم النحر أو ركب مرة ومشى مرة ليتبين جوازهما, ولا يرمي في يوم النحر سوى جمرة العقبة, وهي الجمرة القصوى, وإنما سميت بهذين الاسمين، لأن من فارق حضيض منها انتهى إلى الجمرة الأولى أولاً, فإذا تخطاها سيرًا, انتهى إلى الجمرة الثانية, فإذا صعد يسيرًا, انتهى إلى الجمرة الثالثة, وهي لأقصاها وأعلاها بقرب العقبة في أقصى منى مما يلي مكة على سنن الطريق, وهي أول الجمرات مما يلي مكة وآخرها مما يلي منى, ولا يرمي في هذا اليوم غيرها, وسميت جمرة لاجتماع الناس بها, ومنه ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن التجمير يعني اجتماع النساء في الغزوات.
وقيل: سميت بها لأن إبراهيم عليه السلام لما عرض له إبليس هناك فحصبه أجمر من بين يديه, أي أسرع, والإجمار: الإسراع. وقيل: سميت بها لأنها نجمر بالحصى, والعرب تسمي الحصى الصغار جمارًا, وإذا أراد الرمي إلى جمرة العقبة,