والثاني: أن الاعتبار في الكلب بمرسله دون معلمه.
ألا ترى أن المجوسي إذا صاد بكلب مسلم لم يحل إجماعاً، فوجب أن يحل إذا صاد مسلم بكلب مجوسي قياساً.
والثالث: أن المجوسي لو علم كلباً، ثم أسلم، حل صيده؛ لأنه بإرساله مسلم وإن كان بتعليم مجوسي، كذلك إذا صاد به غيره من المسلمين.
مسألة:
قالُ الشّافِعيِ رحمهُ اللهُ تعالى:"وأيُّ أبويه كان محبوسا فلا أرى تُؤكِّلُ ذبيحتُهُ. وقالُ في كِتابُ النّكاحِ: ولا يُنكِحُ إنّ كانت جاريّةُ وليْست كالصّغيرةِ يُسلِمُ أحدّ أبويها لأن الإسلام لا يُشرِكُهُ الشِّرك والشُّرُك يُشرِكُهُ الشِّرك ".
قال في الحاوي: قد ذكرنا أن ذبيحة المجوسي لا تحل، وتحل ذبيحة أهل الكتاب في كل حيوان مباح.
وقال مالك: تحل لنا ذبائح أهل الكتاب في كل حيوان مما يستحلونه من البقر والغنم، ولا تحل فيما لا يحلونه من الإبل؛ لأنهم يقصدون بذبحه الإتلاف دون الذكاة، وهذا غلط؛ لقوله تعالى: {وطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ} المائدة:5 يريد بالطعام: الذبيحة دون ما يستطعمونه لأنهم يستطعمون الخنزير، ولا يحل لنا.
ولأن ما حلّ بذبيحة المسلم حلّ بذبيحة الكتابي، كالبقر والغنم طرداً، وكالبغال والحمير عكساً.
وإذا كان هذا أصلاً مقرراً، وقياساً مستمراً، فاختلف أبو الكافر، فحلت ذبيحة أحدهما، ولم تحل ذبيحة الآخر بأن يكون أحدهما يهودياً والآخر مجوسياً نظر: فإن كان أبوه مجوسياً وأمه يهودية فلا تحل ذبيحته لوجهين:
أحدهما: أنه نسبه يلحق بأبيه، فكان حمله أبيه.
والثاني: أن الحظر والإباحة إذا اجتمعا يغلب حكم الحظر على الإباحة وإن كان أبوه يهودياً وأمه مجوسية، ففي إباحة ذبيحته قولان:
أحدهما: تحل ذبيحته تعليلاً بأنه يرجع إلى أبيه في نسبه.
والثاني: لا تحل ذبيحته تعليلاً بأن اجتماع الحظر والإباحة يوجب تغليب الحظر على الإباحة، كالمتولد من حمار وحشي وحمار أهلي.
وقال أبو حنيفة: إن كان أحدهما كتابياً حلّت ذبيحته سواء كان الكتابي منهما أباه وأمه، كما لو كان أحد أبويه مسلماً، والآخر مجوسياً، ولا يوجب تغليب الحظر على الإباحة، كما لم يغلب الحظر في إسلام أحد أبويه، وهذا فاسد من وجهين: