فصل:
فإذا تقرر حكم الأكل والصدقة على هذه الوجوه الثلاثة فاقتصر منها على أحدها نظر، فإن كان اقتصاره منها على الصدقة دون الأكل فأطعم ولم يأكل لم يضمن على الوجوه الثلاثة، لأن من قال بوجوب الأكل نسبه في ترك الأكل إلى المأثم، ولم يلزمه الغرم في حق نفسه لأن استحقاقه للأكل رفق به فخرج عن حكم الغرم لما فيه هن الإجحاف به، وإن كان اقتصاره على الأكل فأكل، ولم يطعم فعلى قول أبي العباس لا ضمان عليه، لأنه يجعل الإطعام مستحباً، وعلى الوجهين الآخرين يكون ضامناً، وهو الصحيح لما ذكرنا فعلى هذا في قدر ما يضمنه ثلاثة أوجه:
أحدها: - وهو مذهب أبي إسحاق المروزي وأبي علي بن أبي هريرة - يضمن جميعها بأكثر الأمرين من قيمتها أو مثلها، لأنه لما عدل بأكملها عن حكم الضحايا صارت لحماً، وكان إيجاب الضحايا باقياً، فلزمه أن يضحي فعلى هذا هل يجوز له أن يأكل من بدلها أم لا؟ على وجهين مضيا.
والثاني: يضمن منها قدر الاستحباب فيما يتصدق به ولا يضمن جميعها، لأنه قد أراق دمها على اسم الأضحية فلم يضمن منها إلا ما تعدى بأكله، فضمن قدر الاستحباب احتياطاً، فعلى هذا في قدر الاستحباب قولان:
أحدهما: بالنصف، وهو القديم.
والثاني: الثلث، وهو الجديد، ولا يجوز أن يأكل هذا البدل وجهاً واحداً، لأنه بدل عما أكل والوجه الثالث يضمن قدر الإجزاء، لأنه لو اقتصر عليه في الصدقة، أجزأه، فعلى هذا يضمن ما يخرج عن قدر التافه إلى ما جرى العرف أن يتصدق به منها من القليل الذي يؤدي الاجتهاد إليه، ولا يجوز أن يأكل منه فصار في قدر ما يضمنه أربعة أوجه:
أحدها: الكل.
والثاني: النصف.
والثالث: الربع.
والرابع: المجزئ، فإن ضمن الكل لزمه ذبحه في أيام النحر.
فإن أخره عنها مع القدرة حتى ذبحه بعدها ففي إجزائه وجهان:
أحدهما: لا يجزئه، ويكون لحماً مضموناً بمثل ثان كما لو أخّر الأضحية حتى ذبحها بعد أيام النحر.
والثاني: أنه يجزئ؛ لأن إراقة دم الأضحية في أيام النحر قد يحصل بما أكل وإنما هذا بدل من الإطعام دون الإراقة فجاز في غير أيام النحر وان ضمناه بعضها ولم تضمنه جميعها لم يجز أن يتصدق بما ضمنه ورقاً، لأن حقوق الفقراء في الأكل دون القيمة، كما لا يجوز: أن يفرق ثمن الأضحية ورقاً، وهل يلزم صرف ما ضمنه في سهم من أضحية أو يفرقه لحما فيه وجهان: