والثاني: أن ما جاز أن يخرجه الإمام من بيت مال المسلمين جاز أن يتطوع به كل واحد من المسلمين لبناء المساجد والقناطر.
فصل:
فإذا صح جوازه من كل باذل لم يخل التبدل من ثلاثة أقسام:
أحدها: أن يختص به السابق وحده دون غيره، كقوله: إذا كان المتسابقون عشرة فقد جعلت للسابق منكم عشرة، وهذا جائز، فأيهم جاء سابقاً لجماعتهم استحق العشرة كلها، ولا شيء لمن بعده، وإن كانوا متفاضلين في السبق، فلو سبق اثنان من الجماعة، فجاءا معاً، وتأخر الباقون، اشترك الاثنان في العشرة، لتساويهما في السبق، فاستويا في الأخذ، ولو سبق خمسة اشتركوا في الأخذ كذلك، ولو سبق تسعة وتأخر واحد اشتركوا في العشرة دون المتأخر منهم، ولو جاؤوا مجيئاً واحداً لما يتأخر عنهم واحد منهم، فلا شيء لهم، لأنه ليس فيهم سابق، ولا مسبوق.
والثاني: أن يبذله لجماعة منهم، ولا يبذله لجميعهم، كأنه بذل للأول عوضاً وللثاني عوضاً، ولكل واحد منهم في اللغة اسم إذا تقدم على غيره خاص يقال للسابق الأول: المجلى، والثاني: المصلى، والثالث: التالي، والرابع: البارع، والخامس: المرتاح، والسادس: الحظي، والسابع: العاطف، والثامن: المؤمل، والتاسع: اللطيم، والعاشر: السكيت، وليس لما بعد العاشر اسم إلا الذي يجيء آخر الخيل كلها، يقال له: الفسكل، فإذا بذل لبعض دون بعض، فعلى ضربين:
أحدهما: أن يفاضل بين السابق والمسبوق، فيجعل للأول الذي هو المجلى عشرة ويجعل للثاني الذي هو المصلي تسعة، والثالث الذي هو التالي خمسة والرابع الذي هو البارع أربعة، والخامس الذي هو المرتاح ثلاثة، ولا يجعل لمن بعدهم شيئاً فإن هذا جائز، لأنه قد منع المسبوقين وناضل بين السابقين، فحصل التحريض في طلب التفاضل، وخشية المنع.
ويتفرع على هذا أن يجعل للسابق عشرة، وللمصلي خمسة، ولا يجعل لمن بعدهم شيئاً، فيكون السابق خمسة والمصلي واحداً، فيقسم الخمسة السابقين بالعشرة لكل واحد درهمان، وينفرد الواحد المصلي بالخمسة، وإن صار بهما أفضل من السابقين؛ لأنه أخذ الزيادة لتفرده بدرجته، ولم يأخذها لتفضيل أصل درجته وقد كان يجوز أن يشاركه غيره في درجته، فيقل سهمه عن سهم من بعده، ثم على هذا القياس إذا جعل للتالي شيئاً ثالثاً، فحصل من كل درجة انفراد أو اشتراك، وجب أن يختص المنفرد بسبق درجته، ويشترك المشتركون بسبق درجتهم.
والثاني: أن يسوي فيهم بين سابق ومسبوق كأنه جعل للسابق عشرة وللمصلي عشرة، وفاضل بين بقية الخمسة، وهذا غير جائز؛ لأن مقتضى التحريض، أن يفاضل بين السابق والمسبوق، فإذا تساويا فيه بطل مقصوده فلم يجز وكان السبق من حق المصلي