الذي سوى بينه وبين سابقه باطلاً ولم يبطل في حق الأول، وفي بطلانه في حق من عداه وجهان بناء على اختلاف الوجهين في الذي بطل السبق في حقه، هل يستحق على الباذل أجرة مثله أم لا على وجهين:
أحدهما: وهو قول أبي إسحاق المروزي إنه لا أجرة له على الباذل لأن منعه عائد عليه لا على الباذل.
فعلى هذا يكون السبق في حق من بعده، باطلاً، لأنه يجوز أن يفضلوا به عن من سبقهم.
والثاني: وهو قول أبي علي الطبري أن له على الباذل أجرة مثله؛ لأن من استحق المسمى في العقد الصحيح استحق أجرة المثل في العقد الفاسد اعتباراً بكل واحد من عقدي الإجارة والجعالة، فعلى هذا يكون السبق في حق من بعده صحيحاً، ولكل واحد منهم ما سمى له، وان كان أكثر مثل من بطل السبق في حقه، لأنه لا يجوز أن يفضلوا عليه إذا كان مستحقاً بالعقد، وهذا مستحق بغيره. ويتفرع على هذا إذا جعل للأول عشرة، ولم يجعل للثاني شيئاً، وجعل للثالث خمسة وللرابع ثلاثة، ولم يجعل لمن بعدهم شيئاً، فالثاني خارج من السبق لخروجه من البدل ومن قيام من بعده مقامه وجهان:
أحدهما: يقوم الثالث مقام الثاني، ويقوم الرابع مقام الثالث؛ لأنه يصير وجوده بالخروج من السبق كعدمه، فعلى هذا يصح السبق فيها، بالمسمى لهما بعد الأول.
والثاني: أنهم يترتبون على التسمية ولا يكون خروج الثاني منهم بالحكم مخرجاً له من الثالث فعلى هذا يكون السبق فيها باطلاً، لتفضيلها على السابق لهما وهل يكون لهما أجرة مثلها أم لا على ما ذكرنا من الوجهين:
والثالث: أن يبذل العوض لجماعتهم، ولا يخلي آخرهم من عوض، فينظر، فإن سوى فيهم بين سابق ومسبوق كان السبق باطلاً، وكان الحكم فيه على ما قدمنا، وإن لم يساو بين السابق والمسبوق، وفضل كل سابق على كل مسبوق، حتى يجعل مستأخرهم أقلهم سهماً، ففي السبق وجهان:
أحدهما: أنه جائز اعتباراً بالتفاضل في السبق، فعلى هذا يأخذ كل واحد منهم ما سمي له.
والثاني: أن السبق باطل، لأنهم قد تكافؤوا في الأخذ، وإن تفاضلوا فيه، فعلى هذا هل يكون باطلاً في حق الآخر وحده؟ فيه وجهان:
أحدهما: أنه باطل في حقه وحده؟ لأن بالتسمية له فسد السبق.
والثاني: أنه يكون باطلاً في حقوق جماعتهم؛ لأن أول العقد مرتبط بآخره، وهل يستحق كل واحد منهم أجرة مثله أم لا على الوجهين المذكورين، فهذا حكم السبق الأول.