مسألة:
قَالَ: "وَلَوْ شُرِطَ عَلَى الْمُرْتَهَنِ أَنَّهُ ضَامِنٌ لِلرَّهْنِ وَدَفَعَهُ فَالرَّهْنُ فَاسِدٌ".
هذا الشرط باطل لأنه ينافي مقتضي الرهن، ثم اختلف أصحابنا فيه، فمنهم من قال: هذا من الشرط الذي ينقص حق المرتهن فيبطل قولاً واحداً.
قال صاحب "الإفصاح": هل يبطل الرهن بهذا الشرط؟ قولان؛ لأن شرط الضمان لا ينقص بحق المرتهن؛ لأنه لا يمنعه ذلك من استيفاء حقه منه عند محله، ويخالف هذا إذا قال: لا تبعه إلا باختياري أو باختيار فلان؛ لأن كل هذا يمنع من استيفاء الحق منه فلم يكن الرهن تامًا، ثم إذا بطل الرهن لا يضمن؛ لأن ما لا يضمن صحيحه لا يضمن فاسده كما نقول في الإجارة والقراض وما يضمن صحيحه يضمن فاسده كالبيع.
باب الرهن غير مضمونث 288 أخبرنا محمد بن إسماعيل. الخبر.
اختلف أصحابنا في الرهن على خمسة مذاهب؛ فذهبت طائفة إلى أنه أمانة في يد المرتهن لا يسقط الحق بتلفه ولا شيء منه كالوديعة، وبه قال الشافعي وعطاء بن أبي رباح، وسعيد بن المسيب، والأوزاعي، وأحمد، وأبو ثور وهو إحدى الروايتين عن علي رضي الله عنه وبه قال النخعي والثوري، الرهن مضمون بأقل الأمرين من القيمة أو الحق، فإن كانت قيمته ألفاً ورهن بخمسمائة فنصفه مضمون، نصفه أمانة، وإن كانت قيمته خمسمائة والدين ألف فتلف سقط نصف الدين وبقي النصف.
وروي ذلك عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقال إسحاق: هو مضمون لجميع قيمته وإن زادت على الحق يترادان الفضل وهو الرواية المشهورة عن علي رضي الله عنه وقال الحسن، وشريح، والنخعي، والشعبي هو مضمون بالحق الذي هو مرهون به بالغاً ما بلغ. وقال مالك: إن تلف بسبب ظاهر كالحريق والغرق والنهب الظاهر فالقول قوله ولا ضمان عليه. وإن كان بسبب باطن كالسرقة فالقول قول الراهن فيضمنه المرتهن؛ لأنه متهم فيه، وهذا غلط لما احتج به الشافعي من الخبر المعروف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه أدلة:
أحدها: أنه قال: "لا يغلق الرهن" قال أبو عبيدة: معناه لا يسقط ق 288 الدين بتلفه.
والثاني: قال: "الرهن من صاحبه"، ومعناه من ضمان صاحبه.
والثالث: وهو الأقوى وعليه غرمه. والغرم: النقص وقيل: معنى قوله: "لا يغلق الرهن" أي لا يتعلق ولا ينعقد حتى ينفك. وقوله: "الرهن من صاحبه" معناه لصاحبه والعرب تضع (من) موضع (اللام) وإذا كان ملكه كان تلفه من ملكه.