بسبيه عن أبويه من أن يكون تبعًا لهما، قصار تبعًا لمن صار إليه بعدهما، فعلى هذا يجري عليه قبل بلوغه أحكام السابي في العبادات والاقتصاص من المسلم إذا جني عليه، وإذا مات صلى عليه ودفن في مقابر المسلمين وإن بلغ واستصحب الإسلام قولًا وعملًا ثم رجع عنه صار برجوعه مرتدًا، وإن وصف الكفر عند بلوغه فهل يحكم بارتداده أم لا؟ على وجهين مضى توجيههما فهذا حكم القسم الثاني.
فصل: والقسم الثالث: أن يجري عليه حكم الإسلام بنفسه إقرارًا واعترافًا بشروطه فهذا على ضربين:
أحدهما: أن يكون ذلك بعد بلوغه فهذا مسلم له ما للمسلمين وعليه ما عليهم.
والثاني: أن يكون ذلك قبل بلوغه فهذا على ضربين:
أحدهما: أن يكون ذلك منه في طفولته وعدم تمييزه فلا يكون بذلك مسلمًا، لأنه لا حكم لقوله ولا يصل إلى معرفة حق من باطل ولا صحيح من فاسد.
والثاني: أن يكون مراهقًا مميزًا يصل بذهنه إلى معرفة الحق من الباطل ويميز ما بين الشبهة والدليل ففي الحكم بإسلامه إذا وصفه على شروطه ثلاثة أوجه:
أحدها: وهو الظافر من مذهب الشافعي أنه لا يصير مسلمًا لقوله صلى الله عليه وسلم: "رفع القلم عن ثلاث عن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يفيق، وعن النائم حتى ينتبه".
فرفع القلم عنه قبل البلوغ في جميع أحواله، وجمع بينه وبين المجنون في سقوط تكليفه، ولأن عقود المعاملات أخف حالًا من شروط الإسلام، فلما امتنع قبل البلوغ أن تصح منه للعقود فأولى أن يمتنع منه شروط الإسلام.
والثاني: وهو مذهب أبي حنيفة أن يصير مسلمًا؛ لأنه قد يصل إلى معرفة الدليل كما يصل إليه البالغ وخالف الطفل والمجنون، ولأن عليًا عليه السلام أسلم قبل بلوغه فحكم بصحة إسلامه؛ فعلى هذا إن بلغ فرجع عن الإسلام صار مرتدًا.
والثالث: أن إسلامه يكون موقوفًا، فإن استدام ذلك بعد بلوغه علم أنه تقدم إسلامه، وإن فارقه بعد البلوغ علم أنه لم يكن مسلمًا، وعلى هذا الوجه يحتمل إسلام علي عليه السلام في قول من إسلامه إلى ما قبل البلوغ، وأنه لما استدامه بعد البلوغ علم به صحة ما تقدم إسلامه فهذا حكم القسم الثالث.
والقسم الرابع: أن يجري عليه حكم الإسلام بالدار، وهذا هو اللقيط، وقد قسمنا أحواله التي تجري عليه بها حكم الإسلام أو حكم الشرك، فان أجرينا عليه أحكام الشرك فبلغ ووصف الإسلام بعد بلوغه استوثق به حكم الإسلام من حينئٍذ، وإن أقام على الشرك