فصل: فأما مالك فاستدل على أن قاتل الخطأ يرث من المال دون الدية بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" وروي محمد بن سعيد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يرث الزوج زوجته مالها وديتها وترث من زوجها ماله وديته".
فإن قتله أحدهما عمدًا لم يرثه وإن قتل خطأ ورث ماله دون ديته وهذا نص إن صح، ولأن منع القاتل من الميراث عقوبة والخاطئ لا عقوبة عليه كما لا قود عليه والدليل عليه عموم قوله صلى الله عليه وسلم: "القاتل لا يرث".وروي أبو قلابة قال: "قتل رجل أخاه في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه فلم يورثه منه".
وقال: "يا أمير المؤمنين إنما قتلته خطأ" قال: لو قتلته عمدًا لأقدناك به".وروي خلاس: "أن رجلًا قذف بحجر فأصاب أمه فقتلها فغرمه علي بن أبي طالب عليه السلام الدية ونفاه من الميراث" وقال: "إنما حظك من ميراثها ذاك الحجر" ولأن كل من سقط إرثه دية مقتولة سقط عن سائر ماله كالعامد، لأن كل مال حرم إرثه لو كان عامدًا حرم إرثه، وإن كان خاطئًا كالدية، فأما قوله صلى الله عليه وسلم: "رفع عن أمتي الخطأ" فمعناه مأثم الخطأ.
وأما حديث عمرو بن شعيب فمرسل ورواية محمد بن سعيد المصلوب صلب في الزندقة على ما قيل، ثم لو سلم لحمل على إرث ما استحقه من دين أو صداق.
وأما قولهم: إن الخاطئ لا يعاقب بمنع الميراث قلنا: هلا أنكرتم بذلك وجوب الدية عليه والكفارة.
فصل: وأما أبو حنيفة فاستدل على أن القاتل إذا كان صبيًا أو مجنونًا ورث وهكذا من قتل بسبب كحافر البئر وواضع الحجر بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "رفع القلم من ثلاث عن الصبي حتى يحتلم وعن المجنون حتى يفيق، وعن النائم حتى ينتبه" فاقتضى عموم ذلك رفع الأحكام عنه.
قال: ولأن كل عقوبة تعلقت بالقتل سقطت عن الصبي والمجنون كالقود ودليلنا عموم قوله صلى الله عليه وسلم: "ليس لقاتل شيء".
ولأن موانع الإرث يستوي فيها الصغير والكبير والمجنون والعاقل كالكفر والرق، ولأنه قتل مضمون وجب أن يمنع الإرث كالبالغ العاقل ولأن كل فعل لو صدر عن الكبير