فأما أمانة الله فهي كصفات أفعاله لا ينعقد بها يمين إلا أن يريد اليمين، وأجراها أبو حنيفة مجرى صفات ذاته، فعقد بها اليمين، وأوجب فيها الكفارة.
ودليلنا هو أن أمانة الله فروضه التى أمر بها عبيده، وأوجب عليهم فعلها قال الله تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً} الأحزاب: 72.
وقد كان علي بن أبي طالب - عليه السلام - إذا دخل عيله وقت الصلاة اصفر مرة، واحمر مرة، وقال: أتتنى الأمانة التي عرضت على السموات والأرض والجبال، فأبين أن يحملنها، وأشفقن منها، وحملتها أنا، فلا أدري أسيء فيها أو أحس. وإذا كان كذلك دل على أن الأمانة الله محدثة، فلم يلزم بها الكفارة.
فإن قيل: معنى أمانة الله أنه ذو أمانة، وذلك من صفات ذاته. قيل: يحتمل أنه يريد بأمانة الله أنه ذو أمانة، فيكون من صفات ذاته، ويحتمل أن يريد بها فروض الله، فتكون من صفات أفعاله، فلم تنعقد به اليمين مع احتمال الأمرين إلا أن يريد بها اليمين، والله أعلم.
مسألة:
قال الشافعي: "ومن حلف بغير الله فهى يمين مكروهة وأخشى أن تكون معصية لأن النبي صلى الله عليه وسلم سمع عمر يحلف بأبيه فقال عليه السلام ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم فقال عمر: والله ما حلفت بها بعد ذاكرًا ولا آثرًا".
قال في الحاوي: وهو كما قال: اليمين بغير الله من المخلوقات كلها مكروهة، سواء حلف بمعظم كالملائكة، والأنبياء، أو بغير معظم، لرواية الشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "أدرك عمر بن الخطاب وهو يسري في ركب، وحلف بأبيه، فقال: "إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، من كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت".
وروى الشافعي عن سفيان عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، قال: نبي الله عمر يحلف بأبيه، فقال: "إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم" قال عمر: فوالله ما حلفت بها ذاكرًا ولا آثرًا، وفيه تأويلان:
أحدهما: يعني: عامدًا ولا ناسيًا.
والثاني: معتقدًا لنفس، ولا حاكيًا عن غيري.
وروى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم: "من حلف بغير الله فقد أشرك"، وفيه تأويلان: