أحدهما: فقد أشرك بين الله وبين غيره في التعظيم، وإن لم يصر من المشركين الكافرين.
والثاني: فقد أشرك بالله، فصار كافرًا به إن اعتقد لزوم يمينه بغير الله كاعتقاد لزومها بالله.
فإن قيل: فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حلف بغير الله، فقال للأعرابي: "
... وأبيه إن صدق دخل الجنة"، وقال لأبي العشراء الدارمي: "وأبيك لو طعنت في فخذها لأجزاك"، فعنه جوابان:
أحدهما: أنه لم يخرج مخرج اليمين، وإنما كانت كلمة تخف على ألسنتهم في مبادئ الكلام.
والثاني: أنه يجوز أن يكون ذلك في صدر الإسلام قبل النهي.
وقول الشافعي: "وأخشى أن يكون معصية".
هي في استحقاق الوعيد، لأنه ليس كل مكروه يستحق عليه الوعيد.
فصل:
فإذا ثبت أن اليمين بغير الله مكروهة، فهي غير منعقدة، ولا يلزم الوفاء بها، ولا كفارة عليه إن حنث فيها، وهو كالمتفق عليه، وهكذا إذا حلف بما يحظره الشرع كقوله: إن فعلت كذا وكذا فأنا بريء من الله، أو كافر به، أو خارج من دين الإسلام، أو فأنا يهودي، أو وثني لم تنعقد يمينه، ولم يزم بالحنث فيها كفارة، وبه قال مالك والأوزاعي، وجمهور الفقهاء. وقال أبو حنيفة: وصاحباه، وسفيان الثوري، وأحمد، وإسحاق تنعقد يمينه وتلزم الكفارة إن حنث استدلالاً بقول الله تعالى: {ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ} المائدة: 89، فكان على عمومه.
وربما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من حلف على يمين، ورأى غيرها خيرًا منها، فليأت الذي هو خير، وليكفر عن يمينه" ولم يفرق.
وبما روى ثابت بن الضحاك، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من حلف بملة غير ملة الإسلام كاذبًا، فهو كما قال، فإن كان صادقًا لم يرجع إلى الإسلام سالما" فجعلها يمينًا، وقد قال الله تعالى: {وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} النحل: 91. فدل على لزومها، ولأن لزوم اليمين بالله لتوكيد حرمتها وحظر مخالفتها، وهذا المعنى موجود فيما عقده من