الكفر بالله تعالى، والبراءة منه، ومن الإسلام، فوجب أن يستويا في اللزوم وفي الكفارة، ولأن البراءة من الله أغلظ مأثمًا، وأشد حظرًا من الحلف بالله، فلما انعقدت اليمين، ولزم التكفير في أحق المآثمين كان لزومها في أغلظهما أولى.
ودليلنا قول الله تعالى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} النور: 53. فجعلها غاية الأيمان وأغلظهما، فلم تتغلظ اليمين بغير الله.
وروى محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم ولا بالأنداد، ولا تحلفوا إلا بالله، ولا تحلفوا بالله، إلا وأنتم صادقون".
وهذا نص.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من حلف بغير الله فكفارته أن يقول: لا إله إلا الله".
وروي أنه قال: "فقد أشرك" فدل على سقوط الكفارة في اليمين بغير الله؟ ولأنه حلف بغير الله؟ فوجب أن لا تلزمه كفارة؟ كما لو قال: إن فعلت كذا فأنا زان أو شارب خمر أو قاتل نفس، ولأنه حلف بمخلوق يحدث لأن اعتقاد الكفر وبراءته من الإسلام محدث، فوجب أن لا تلزمه كفارة، كما لو حلف بالسماء والأرض والملائكة والأنبياء، ولأنه منع نفسه من فعل بأمر محظور، فوجب أن لا تكون يمينًا توجب التكفير، كما لو قال: إن كلمت زيدًا فأنا فاسق، أو فعلي قتل نفس أو ولدي.
فأما الجواب عن عموم الآية والخبر فهو أن إطلاقها محمول على اليمين بالله، لأنها اليمين المعهودة، في عرف الشرع والاستعمال.
وأما الجواب عن حديث ثابت بن الضحاك مع حفصة فهو أن يكون دليلاً لنا أشبه من أن يكون دليلاً علينا؟ لأنه لما لم يصر بالحنث خارجًا من الإسلام دل على أنه خرج مخرج الزجر كما قال: "من قتل عبدًا قتلناه". جعل الوعيد يوجب يمينه دون الكفارة ولو وجبت لأبانها.
وأما الجواب على استدلالهم توكيد حرمتها، وحظر مخالفتها، فهو أنه لا حرمة لهذه اليمين لحظرها وتحريمها، ولأن الحظر إنما توجه إلى التلفظ بها، فلم يبق للحظر، والتحريم حرمة من الالتزام والتكفير.
وأما الجواب عن استدلالهم بتغليظ البراءة من الله، فهو أن البراءة من الله كفر، ولا يجب بالكفر تكفير كالمرتد، والله أعلم.