حكاه الشافعي عن مالك، وقد أفصح بمذهبه في كتاب الأم أنه يحنث، واحتج أبو حنيفة على بره بأخذ البدل بأنه إذا أخذ عن مائة دينار ألف درهم صار عليه بأخذ الألف مائة دينار، فصار مستوفيًا لحقه.
ودليلنا هو أن سقوط الحق إنما هو بالمأخوذ وهو دراهم والحق دنانير، فصار آخذًا لبدل الحق، وليس بآخذ للحق، ولأننا أجمعنا وأبو حنيفة أنه لو كان حق الحالف ثوبًا فصالح عنه بدراهم أخذها منه أنه يحنث، فكذلك إذا أخذ عن الدراهم ثوبًا أو أخذ عن الدنانير دراهم حنث، لأنه قد أخذ في الحالين بدل حقه، ولم يأخذ بعينه وفيه جواب.
فصل:
فأما إذا حلف لا يفارقه حتى يستوفي ما عليه ولم يقل: أستوفي حقي فأخذ بحقه بدلاً بر في يمينه، لأنه قد صار بأخذ البدل مستوفيًا ما عليه، ولو أبرأه من الحق حنث، لأن الإبراء ليس باستيفاء، ولو أخذ به رهنًا حنث أيضًا، لأن الرهن وثيقة، ولو أحاله بالحق حنث، لأنه ما استوفي ما عليه، وإنما نقله إلى ذمة غيره، ولو أحاله صاحب الحق على الغريم بر لأنه قد استوفي بالحوالة حقه، ولو جني عليه جناية أرشها بقدر حقه فإن كانت خطأ لم يبر، لأن أرشها على عاقلته، وإن كانت عمدًا فأرشها في ذمته، وحقه في ذمة غريمه، فإن كانا من جنسين لم يجز أن يتقاضاه، لأنه بيع دين بدين، فيحنث لبقاء حقه على غريمه، وإن كانا جنس واحد فهل يكون قصاصًا فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: يكون قصاصًا، وإن لم يتراضيا، فعلى هذا فقد بر في يمينه.
والثاني: لا يكون قصاصًا وإن تراضيا، فعلى هذا قد حنث في يمينه.
والثالث: يكون قصاصًا مع التراخي، ولا يكون قصاصًا مع عدم التراخي، فعلى هذا إن تراضيا قبل الافتراق بر، وإن لم يتراضيا حنث.
مسألة:
قال الشافعي رحمه الله: "حد الفراق أن يتفرقا عن مقامهما الذي كانا فيه أو مجلسهما".
قال في الحاوي: وهذا صحيح، وهو معتبر بالعرف أن يصير كل واحد منهما في مكان لا ينسب إلى مكان صاحبه، وجملته أن كل ما جعلناه افتراقًا في البيع في سقوط الخيار في المجلس جعلناه افتراقًا في اليمين في وقوع الحنث وقد أوضحناه فأغنى عن إعادته، فلو أكره الحالف على الافتراق كان في حنثه قولان، ولو مات الحالف قبل فراقه لم يحنث، ولو مات المحلوف عليه لم يكن مفارقًا له بالموت بخلاف الافتراق بالبيع حتى يفارقه ببدنه، فإذا فارقه ببدنه، ففي حنثه حينئذٍ قولان كالمكره.