والثانية: أن يتصفح أحوال المحبوسين. والثالثة: النظر في أمور الأوصياء.
والرابعة: النظر في أمور الأمناء.
والخامسة: النظر في الوقوف العامة والخاصة.
ففي العامة لا يقف النظر على مطالبةٍ؛ لأن مستحقها لا يتغير. وفي الخاصة؛ لأن مصرفها إلى معين من الفقراء، فينظر هل يصل إليهم؟ وهل يستحق الولاية على من يعين منهم بصغرٍ أو جنونٍ، وليعلم سبيلها فتحمل على شروط واقفيها، وإن تغير حال الوالي عليها فعل به ما قدمناه في الأولياء والأوصياء.
فرع آخر
يجب على القاضي بعد تصفح حال الأمناء والأوصياء أن يثبت في ديوانه حال كل أمين ووصي فيما بيده من الأموال، ومن يلي عليه من الأيتام، ليكون حجة للجهتين، فإن وجد ذكره في ديوان القضاء الأول عارض به وعمل بأحوطها، وإذا تطاول مدة الوقف سجل به لتكون الحجة باقية ويثبته في ديوانه.
مسألة
قال: "وإذا بان له من أحد الخصمين لدد نهاه".
الفصل: أراد باللدد شدة اللجاج 90/ ب والخصومة. وفي اللغة: اللدد الالتواء والميل، يقال: لديد الوادي وهما جانباه لأنهما يكونان ملتويين، وسمي الوجور من أحد الشدقين لدودًا؛ لأنه يميل يقال: خصم ألدُّ وخصوم لد. قال الله تعالى: {وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُّدًّا} مريم: 97، وقال تعالى: {وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ} البقرة: 204، وهو لا يميل ولا يستقيم على جهةٍ واحدةٍ، ويقال: فلان يتلدد إذا كان يتلفت يمينًا وشمالًا. فإذا تقرر هذا، فهذا اللدد يوجد من الخصم ويظهر للحاكم من وجوهٍ؛ أحدهما: أن يقول: استحلف الخصم فإذا كان في أثناء التحليف يقول: اقطع فلي بينة، ثم لا يكون له بينة أو يقدمه إلى الحاكم، فإذا أراد أن يحكم يقول: لي بينة، ثم يمضي ويقدمه مرةً أخرى، ولا يكون له بينة، فإذا أراد أن يحكم يقول: لي بينة ويتكرر منه ذلك بحيث يعلم أنه يقصد الإضرار والتعنت، أو يحمله إلى مجلس الحكم ويهرب ثم يعود من الغد ويحمله ثانيًا ونحو ذلك، فإذا بان للحاكم ذلك أول دفعةٍ نهاه ولا يبدؤه بزبرٍ ولا زجر، فإن عاد ثانيًا زبره وزجره، ويعتبر ذلك من وجهين؛ أحدهما: بحسب لدده.
والثاني: على قدر منزلته. فإن عاد ثالثًا ضربه أو حبسه تعزيرًا يجتهد فيه بحسب اللدد على قدر المنزلة.
وقيل: في الأول نهاه، وفي الثاني زبره، وفي الثالث زجره وأغلظ القول، وفي الرابع عزره وهذا حسن عندي، وهو اختيار القاضي الطبري، وإنما يبدأ بالنهي لأنه