يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} التوبة: 29 فلم يرد سماع ببيان أقل الجزية حتى اجتهد العلماء في أقلها. وكقوله تعالى: {إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} الجمعة: 9 الآية، فأجمل ذكر العدد الذي تنعقد بهم الجمعة حتى اجتهد العلماء فيه. وكقوله تعالى: {لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} الطلاق: 7 الآية، فأجمل قدر النفقة حتى اجتهد العلماء في تقديرها، فهذا ونظائره من المجمل التي لا يفتقر إلى بيان السمع، فبيانه عن الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه مأخوذ من أصول الأدلة المستقرة، وقد سأل عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم 98/ ب عن الكلالة، فقال: "تكفيك آية الصيف"، فوكله إلى الاجتهاد ولم يصرح بالبيان ..
واختلف أصحابنا في هذا النوع من البيان الصادر عن الاجتهاد هل يؤخذ قياسًا أو تنبيهًا؟ على وجهين: أحدهما: يؤخذ تنبيهًا من لفظ المجمل وشواهد أحواله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر - رضي الله عنه: "تكفيك آية الصيف" فردها إليه ليستدل بما تضمنها من تنبيه وشاهد حاله.
والثاني: يجوز أن يؤخذ قياسًا على ما استتر بيانه من نص أو إجماع، لأن عمر - رضي الله عنه - سأل عن قُبلة الصائم، فقال: "أرأيت لو تضمضت" فجعل القبلة بغير إنزال كالمضمضة من غير ازدراد.
والثاني من المجمل: ما يفتقر بيانه إلى السمع، كقوله تعالى: (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ) البقرة: 43، لا يوصل إلى بيانه إلا من نص مسموع من كتاب أو سنة، فعلى هذا يجوز أن يتأخر بيانه وبيان تخصيص العموم عن وقت نزوله إلى وقت تقييده واستعماله أم لا؟ فعلى ثلاثة أوجه: أحدها: يجوز؛ لأن معاذًا - رضي الله عنه - أخر بيان الزكاة لأهل اليمن إلى الوقت الذي أخذها منهم.
والثاني: لا يجوز، لاختلاف أحوال الناس في الحاجة إلى البيان وللتحرز بتعجيله من احترام المنية للرسول صلى الله عليه وسلم المبين.
والثالث: يجوز تأخير بيان العموم؛ لأنه قبل البيان مفهوم، ولا يجوز تأخير بيان المجمل لأنه قبل البيان غير مفهوم.
القسم الثالث: المطلق والمقيد، وهو أن يرد الخطاب مقيدًا بحال، أو وصف، أو شرط، ثم يرد من جنسه مطلق غير مقيد بوصف ولا شرط، والكلام فيه مشتمل على فصلين:
أحدهما: في المقيد هل يجب أن يكون حكمه مقصورًا على الشرط المقيد به 99/ أ أم لا؟
والثاني: في المطلق هل يجب حمله على المقيد من جنسه أم لا؟
فأما الأول عندنا وعند جمهور العلماء ينقسم قسمين: