ثم اعلم أن النسخ جائز في الكتاب والسنة؛ لأن كل واحد منهما أصل لأحكام الشرع، فإذا جاز 105/أ في الكتاب الذي هو أصل السنة كان في السنة أجوز.
ثم الناسخ والمنسوخ في الكتاب والسنة يشتمل على تفصيل بيانه على سبعة أقسام؛
أحدها: ما يقع فيه النسخ.
والثاني: ما يقع به النسخ.
والثالث: في أحكام النسخ.
والرابع: في أحوال النسخ.
والخامس: في زمان النسخ.
والسادس: في دلائل النسخ.
والسابع: في الفرق بين التخصيص والنسخ.
فأما الأول: فقد ذكرنا أنه في الأوامر والنواهي الشرعية، وهي على ثلاثة أضرب:
أحدها: أن تكون مطلقة فيجوز نسخها وإن وردت بلفظ الخبر، ووهم بعض أصحابنا وقال: لا يجوز إذا وردت بلفظ الخبر اعتبارًا بالأخبار، وهذا فاسد من وجهين:
أحدهما: اختصاص الأخبار بالأعلام، واختصاص النواهي بالإلزام.
والثاني: اختصاص الأخبار بالماضي والأوامر بالمستقبل، ولما تعلق بما ورد من الأوامر بلفظ الأخبار أحكام الأوامر دون الأخبار من هذين الوجهين، كذلك في حكم النسخ.
والضرب الثاني: أن يرد الأمر مؤكدًا بالتأييد، ففي جواز نسخه وجهان: أحدهما: لا يجوز نسخه؛ لأن صريح التأييد مانع من احتمال النسخ.
والثاني: وهو الأشبه أنه يجوز؛ لأن المطلق يقتضي التأبيد كالمؤكد؛ لأنه لما جاز انقطاع المؤبد بالاستثناء، مثل قوله تعالى: {وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً} {إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا} النور: 4، 5 الآية، جاز انقطاعه بالنسخ كالمطلق.
والضرب الثالث: أن يكون الأمر مقدرًا بمدة فيكون انقضاء المدة موجبًا لانقطاع الأمر، فيصير نسخًا بغير نسخ، فإن أريد نسخه قبل انقضاء مدته ففي جوازه وجهان كالمؤبد.
وأما القسم الثاني: فالنسخ يكون بمثل المنسوخ، فنسخ الكتاب بالكتاب والسنة بالسنة، قال الله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَاتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} البقرة: 106، وفي المراد بنسخها وجهان؛ 105/ ب أحدهما: تبديلها.
والثاني: نقضها. وقوله تعالى: {أَوْ نُنسِهَا} أي ننزلها فلا ننسخها وجهان أحدهما: أي نتركها فلا ننسخها.
والثاني: أراد نؤخرها، ومنه بيع النساء، أي نؤخر إنزالها.
وفي قوله: {نَاتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} وجهان: أحدهما: أراد بخير منها في