المنفعة، إما بالتخفيف وإما بكثرة الثواب.
والثاني: أنه على التقديم والتأخير، ومعناه نأت منها بخير.
وإذا كان كذلك لم يجز نسخ القرآن بالسنة صرح به الشافعي، ووافقه أصحابه. واختلفوا هل منع منه العقل أو الشرع على وجهين: أحدهما: منع منه العقل؛ لأنه يمنع من اعتراض المأمور على الآخر.
والثاني: منع منه الشرع دون العقل؛ لأن التفويض إلى المأمور لا يمنع من مشاركة الأمر.
وجوز أبو حنيفة نسخ القرآن بالسنة المستفيضة كما نسخت آية الوصايا، وهي قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً} البقرة: 180 الآية، بقوله صلى الله عليه وسلم: "لا وصية لوارث". ودليلنا قوله تعالى: {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ} النحل: 101، وقوله تعالى: {قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ} وروى جابر - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كلامي لا ينسخ كلام الله تعالى وكلام الله ينسخ كلامي، وكلام الله ينسخ بعضه بعضًا"، رواه الدارقطني رحمه الله. والذي نسخ آية الوصايا هو آية المواريث وكانت السنة بيانًا. وأما نسخ السنة بالقرآن فظاهر مذهبنا الذي نص عليه في القديم والجديد أنه لا يجوز نسخ السنة بالقرآن، كما لا يجوز نسخ القرآن بالسنة.
وقال ابن سريج: يجوز بخلاف ذلك؛ لأن القرآن أوكد من السنة، وخرجه قولاً ثانيًا للشافعي - رضي الله عنه - من كلام تأوله في الرسالة، واستشهاده بأن الآمر أنفذ حكمًا من المأمور.
106/أ ثم اختلف أصحابنا في طريق الجواز والمنع في الشرع مع جوازه في العقل على ثلاثة أوجه: أحدها: أنه لا يوجد سنة إلا ولها في كتاب الله تعالى أصل كانت السنة بيانًا لمجمله، فإذا ورد الكتاب بنسخها كان نسخًا لما في الكتاب من أصلها، فصار هذا نسخ الكتاب بالكتاب.
والثاني: أن الله تعالى يوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يحفيه عن أمته، فإذا أراد نسخ ما سنة للرسول صلى الله عليه وسلم أعلمه به حتى يظهر نسخه، ثم يرد الكتاب بنسخه، ثم يرد الكتاب بنسخه تأكيداً لنسح رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصار ذلك نسخ السنة بالسنة.
والثالث: نسخ الكتاب بالسنة يكون أمراً من الله تعالي لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالنسخ، فيكون الله تعالى هو الآمر به والرسول صلى الله عليه وسلم هو الناسخ، فصار ذلك نسخ السُنة بالكتاب والسُنة والله أعلم.
وأما القسم الثالث في أحكام النسخ فهو على خمسة أضرب. أحدها: ما نسخ