وأما صفة الأداء: فيعتبر في المحدث إذا روى بعد ما قدمناه من شروط التحمل شرطان؛ أحدهما: ذكر إسناده.
والثاني: التحري في لفظ متنه. ثم له حالتان:
إحداهما: أن يحدث من حفظه فيصح السماع منه 112/ ب إذا وثق بحفظه.
والثانية: أن يحدث من كتابه، فإن كان أعمى لا تصح روايته من كتابه لأن الكتب قد تشتبه عليه، وإن كان بصيراً صح أن يروى كتابه بشرطين؛ أحدهما: أن يكون واثقاً بكتابه.
والثاني: أن يكون ذاكراً لوقت سماعه. فإن أخل لم تصح روايته.
ومنع أبو حنيفة- رحمه الله- أن يروى من حفظه كما لا يجوز للشاهد أن يشهد من حفظه، ولا يصح هذا لقوله صلى الله عليه وسلم: "قيدوا العلم بالكتاب". ولو لم يصح الرجوع إليه لكان الأمر بتقييده غير مفيدٍ. وروى أن رجلاً شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم النسيان، فقال له: "حرك يدك"، أي اكتب حتى ترجع إذا نسيت إلى ما كتبت. وقد كتب عثمان- رضي الله عنه- حين جمع القرآن عدة مصاحف ونفذها إلى الأمصار، فحفظ المسلمون منها القرآن.
والفرق بين الشهادة والخبر أن الشهادة يفترق فيها حال الشاهد والمشهود عليه فتغلظت بالحفظ كما تغلظن بالعدد، وفي الحديث يشترك المحدث والمستمع فتخففت بالكتاب. وقد صارت الرواية في عصرنا من الكتاب أثبت عن أصحاب الحديث من الحفظ لما يرجعون إليه من شواهد الأصول في صحة السماع.
ويجوز أن يقول المحدث في روايته: "حدثنا" و"أخبرنا" وهما عند الشافعي سواء في الحكم، ولكن الأولى في عرف أصحاب الحديث أن يسمع من لفظ المحدث أن يقول: "حدثنا" وإن قرأه على المحدث أن يقول: "أخبرنا" وإن سمع وحده قال: "حدثني" السماع وإن كانت في الحكم سواء. ويجوز أن يقبل في رواية المحدث فيما يعود نفعه إليه، ولا يجوز ذلك في الشهادة، وهذا لاشتراك الناس في السنن والديانات وافتراقهم في الشهادات. 113/ أ وإذا أسند الراوي حديثه من رجل، فأنكر ذلك الرجل الحديث أو نسيه لم يقدح في صحة الرواية، ولا يجوز للمحدث أن يرويه عن المستمع إن أنكره، ويجوز أن يرويه عنه إن نسيه، وقد روى ربيعة بن عبد الرحمن عن سهيل بن أبى صالح، عن أبيه، عن أبى هريرة- رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد، ثم نسى سهيل الحديث فأخبره بت ربيعة، فصار سهيل يقول: أخبرني ربيعة عنى أنني حدثته عن أبى هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد.